أن ترى روحك تخرج من مكانها، وأنت لا تنطق، لا يسعك الصراخ، تشعر وكأن جبلاً قد استقرَّ على يسار صدرِك، عندما تكون مستغرقاً في نومك، فتشعر وكأن أطناناً من الكوابيس تطاردك، تشعر أن قدمك قد تشبثت بالأرض، لا تستطيع أن تتحرك، حينها تبذل قصارى جهدك في الهروب، تركض هرباً منها، تعافر في الصمود، تدّعي الثبات وداخلك اعتلاه الخوف، حينها تشعر بأن روحك تركض وجسدك راسخ كالحجارة، لا يحرك ساكناً.
عندما تشعر بأثقال الأحمال وسواد غيوم سحاب أملك في العودة، عندما تفقد لذة الحديث مع الآخرين، وتشعر بالاكتفاء من كل شيء، فتدرك أنك على قيد الحياة؛ لأنك لم تمت بعد، عندما تشعر بحتمية الولوج في درك عميق لا ترى فيه غير الظلام الحالك، كظلام زنزانة تقبع تحت الأرض بعشرات الأمتار، عندها لا يبقى أمامك سوى الإيمان باستحالة تسلل وميض من النور، ربما تختلف رغبتك هنا في رؤية ذلك الوميض، فلا تكون الرغبة لتشعر بأن هناك أملاً، ربما توجد تلك الرغبة؛ لتعرف ما إذا كنت لا تزال مبصراً برؤيتك الوميض، أو ذهب بصرك.
فتقف عند مفترق طرق مخيراً بالإجبار على أن تمشي في أحد الطريقين، تاركاً بعضاً منك مكروهاً، لا تعرف حينها أياً منك على صواب أو خطأ، ربما بعضك الذي تركت وربما بعضك الذي أخذت، وربما يكون بعضك هذا وذاك على صواب، لكنهما لم يسايرا أحد الطريقين الذي اخترت، فأصبح كلاهما خطأ.
عندما لا تستطيع أن تفرق بين ليلك ونهارك، فحتماً إنك إما على فراشك تنتظر المدد مستيقظاً، أو أيضاً على ذات الفراش تترجى أحلامك لو تأتي على غير العادة، تترجى كوابيسك بأن تغيب ولو ساعة فإن لم تكن في الواقع فلتكُن في نومك، لو تعاكس أحلامك وكوابيسك مسايرة روتين الواقع "نائماً".
عندما تفقد كل سُبل العيش، حين تتشبث بالموت لتذوق ألمه، فربما هو الألم الوحيد الذي لم تتذوق مرارته، فيبقى شوقك الوحيد هو الموت، فكل الأشياء قد أصبحت مملة وبشعة، حتى علاقاتك وزوجتك أصبحت مستمرة؛ لأن العلاقة تربطها طفلة جميلة فقط لا غير ذلك، تخشى ضياع تلك الجميلة الحسناء، بل تخشى أيضاً أن تفكر مجرد تفكير في إنهاء العلاقة، فتتحمل رغم كل الذي تحمله حمل البقاء من أجل جزء منك، لا من أجل حب كان بينكما أو ود؛ لذلك فكرة الموت أصبحت حلاً منطقياً لإنهاء جدل البقاء والارتياح.
إن في ظاهر الأمور الموت حلاً، ولكن ربما يكون حلاً لإدلافك سبعين خريفاً في النار؛ لأن الحياة لا تؤخذ من الجانب العاطفي والنفسي فقط، ربما تكون حلول كل هذه المشاكل في الجانب الفكري وأنت أهل لذاك، لكن إيحاء كل من الجانب العاطفي والنفسي أبطل إعمال الجانب الفكري، الحل ربما يكون أسفل قدميك لو تريثت قليلاً، لو نظرت لوهلة علك تلمحه، ولكن حتماً ثمة عبرة تكمن في عدم قدرتك على النظر أسفلك.
كعادة الأمور فهي لا تبقى على حالها، ومن منطلق دوام الحال من المحال، فلا حزن مطلق ولا وسعادة مطلقة، تتهيأ لك أسباب العودة والفرج، أسباب الاستقامة والإفاقة من علّتك، فينادي المنادي: "قد أتم الله شفاء ابنتكما حبيبة على خير"، فتغمرك السعادة من كل جانب ومن كل فج، تهرول فرحاً، تذهب لتؤدي صلاة المغرب بنية تأدية الفريضة، ونية الشكر على نعمة الشفاء.
فقط وضعت النقطة أخيراً بعد كل هذا العناء، فتسمع صوت الإمام مرتلاً: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً" فتنهار روحك وجوارحك، فتشعر بأن حياتك بدأت تنقلب رأساً على عقب، فتدرك أن رحلة العودة إلى ما طال هجره بدأت عودتها، فمنذ ذلك الوقت أصبحت مؤمناً بحتمية الاستقامة، حينها ينقلب شوقك للموت بعد أن كان يأساً أصبح أملاً وحباً في رؤيته جلّ شأنُه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.