اعتبرت الجزائر أكبر ولادة للأدمغة، ولكن لم يبقَ فيها دماغ، بل ما تبقى لا يرقى لأن يكونوا معلمي ابتدائيات، مع احتراماتي لجموع الطبقة المثقفة الجزائرية الحالية الماكثة بالجزائر.
كل الأدمغة هاجرت وتفتقد البلاد اليوم لمن يسيّر مؤسساتها بكفاءة، لمن يدير دواليب سلطتها بحنكة، لمن يتحكم في اقتصادها فيخرجه من الريع للمحروقات، لمن يطور تكنولوجياتها ويرفع مكانتها من المرتبة 102 عالمياً لمراتب أعلى.
وفي هذه التدوينة نعرض للجزائريين أدمغتهم التي صنعت مجد الشركات العالمية، نبدأ بأبرزها قطاع التكنولوجيا، سعيد برحيل، نائب رئيس شركة نوكيا العالمية مصمم ومهندس خدمة الرسائل القصيرة، الفليكسي ومطور أحدث برمجيات شركة نوكيا بلقاسم حبة، باحث في مجال الإلكترونيات متحصل على ما يفوق 1000 براءة اختراع إطار بـIBM إلياس زرهوني طبيب وباحث جزائري بأميركا، صاحب استكشاف كبير في الطب IRM دون نسيان الرياضة التي تعج باللاعبين، الذين صنعوا مجد منتخبات أخرى، خذ فقط زين الدين زيدان كمثال، كريم بنزيمة، سمير ناصري، وكيليان مبابي.
يتساءل الجزائريون وأتساءل معهم: ماذا لو كان هؤلاء بالجزائر؟ ما الذي الذي جعل صناع القرار يمنعون أصحاب الجنسيات المزدوجة من تقلد المسؤوليات؟ أهو خوف منهم ومن علمهم؟ كون غالبية منهم بالسلطة اليوم لا يستطيعون إعراب كلمة ولا يتقنون غير الفرنسية، هذا وإن أتقنوها، ما سبب تأخر المنظومة التعليمية الجزائرية؟ وما الذي يجعل وزارة التعليم تستغني عن مشاورة مثقفين جزائريين حتى تستنجد بلجنة فرنسية لوضع المقررات الدراسية؟ أعجزت من أنجبت مالك بن نبي عن إنجاب آخر جديد (إن أمثال بن نبي موجودون ونضرب لكم المثل بياسمنة خضرة، واسيني لعرج، أحلام مستغانمي، كاتب ياسين، وآسيا جبار…)؟
إلى متى طلاب جامعاتنا ترمى بحوثهم؟ إلى متى أموال البحث العلمي توجه لصيانة قنوات الصرف الصحي؟!
حتى في قطاع الإعلام لنا ما لنا من كبار الصحفيين الذين ضيّعناهم نتيجة همجية كانت موجودة في تسيير القطاع، ولربما لا زالت باقية، ولكم في حفيظ دراجي مثال، عبد القادر عياض، خديجة بن قنة، لخظر بريش، جمال جبلي، محمد الوضاحي، عسول دحمان خولة بالجزيرة، وبي إن سبور، وبن ترك الله، بكنال بلوس وغيرهم الكثير ممن رفعوا راية الإعلام العربي والغربي عالياً، ولو استفادت منهم الجزائر لكانت من بين القوى الإعلامية الرائدة في المجال، كما كانت لتكون لو استخدمت بقية الأدمغة في باقي المجالات.
إن هجرة ما يفوق 40 ألف دماغ في العشرية السوداء كان قليلاً، ونحن نرى أدمغة اليوم تتهافت بطوابير أمام باب سفارة مستعمر الأمس راغبة في الرحيل وترك كل شيء وراءها، ومن لم يجد طريقة قانونية غادر هالكاً على قارب موت، فإن وصل تاه، وإن غرق مات ولقي مصرعه، هي هكذا الجزائر اليوم 97 بالمائة من اقتصادها منحصر على البترول ومشتقاته، على الغاز وصادراته، فلا شيء يصنع محلياً ولا مبنى يبنى إلا وتكون يد أجنبي به حاضرة، فهل الشعب يريد الغياب عن تطوير بلده ونفسه أم أن النظام قائم على "كلشي نجيبوه واجد"؟
رغبتنا كانت بناء دولة قوية ورائدة، هكذا الرجاء، وهكذا كان المنى، لكن هكذا كان اليقين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.