سنة مهجورة.. ومُعجزة منسية
افعلها.. ستتغير حياتك
إنها.. القَيْلُولة
هل يزعجك مثلي تسارع الحياة بشكل مخيف؟ هل تعاني من القلق والتوتر والإجهاد؟ هل لم يعد لديك وقت وكأن اليوم قلّت ساعاته؟ هل يمكن إيجاد تلك القوة الخفية التي تمكن الإنسان من العمل وتقلل الشعور بالتعب، أو تحمّل ضغوط الحياة؟
لقد بدأنا منذ عقود نفقد أهم مواردنا الطبيعية شيئاً فشيئاً وهو النوم، ولا يكاد أحد منا يلحظ ذلك، فنصيب المرء من النوم يومياً ٨ ساعات، ولكن مَن منّا ينال هذا القدر؟
فلضغوط الحياة المختلفة، ولأسباب قد تتعلق بالعمل أو النواحي الأسرية أو الاجتماعية المختلفة قد يصل المرء للإجهاد الشديد بسبب قلّة النوم.
ويأتي النوم بعد الماء والهواء والطعام في الحفاظ على أعضاء الجسم وأنظمته الحيوية، وإن الآثار الصحية المتراكمة للحرمان المزمن من النوم لهي إنذار شديد اللهجة.
ولا يوجد إلى الآن عقار يصلح كبديل للنوم، فيقول الدكتور جون – كالدويل: البدائل توهمك بالتخلص من آثار الإجهاد فقط.
ما الحل إذن؟
إنها القيلولة يا صديقي.. السنة النبوية المهجورة والمعجزة المنسية.. القَيّلُولة.
هى وقفة قصيرة في مسيرة الحياة اليومية، يخلد فيها الإنسان للسكينة والاسترخاء، أو لتفريغ شحنات الهواجس والقلق.
وتُعرف القَيّلوُلة..
بأنها نومة نصف النهار، والقيلولة والمقيل عند العرب هي استراحة نصف النهار، وإن لم يكن معها نوم.
ولا تسمّى فترة النوم قيلولة، إلا إذا امتدت إلى ٥ دقائق فأكثر؛ حيث تبدأ فوائدها.
وتختلف القيلولة عن استكمال النوم كذلك فلا بد من مرور ساعتين على الأقل بعد الاستيقاظ لتكون قيلولة.
القيلولة.. السّنّة المهجورة والمعجزة المنسية
إن أخذ قيلولة أداة قديمة قدم الزمن، فمنذ القدم نجد أن حصول المرء على راحة تتخلل اليوم قد اُعتبر مكوناً ضرورياً يحافظ على بقاء الإنسان كالنوم ليلاً، وتاريخياً اشتهرت شخصيات كثيرة بها من أشهرهم ونستون تشرشل.
والقيلولة سُنة نبوية، ولكن ككثير من السنن النبوية تُهجر ولا يكون لها أهمية إلا إذا أُلبست لباس الاكتشافات العلمية الحديثة.
قال تعالى: (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآية لقوم يسمعون)، وقال صلى الله عليه وسلم: (قِيلوا فإن الشياطين لا تقيل).
وروى البخاري ومسلم، عن سهل بن سعد قال: (ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة في عهد النبي).
حثّنا النبي الكريم عليها إراحة للجسم للعبادة، واستعداداً لقيام الليل، وفعلها هو وأصحابه وكانوا يقيلون في البيت وفي المسجد.
عن ابن عباس قال: (استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبالقيلولة على قيام الليل).
هذا وقد نشطت الدراسات مؤخراً لتفعيل هذه العادة الحميدة، ومن أشهر وأشمل الدراسات التي أنصح بالرجوع إليها لمزيد من الفوائد دراسة الدكتورة سارة سي – ميدنيك:
Take a nap and change your life.
ومن هنا نقول: إذن هي القيلولة...
إن القيلولة ليست بديلاً عن النوم الطبيعي، ولكن أحياناً تُحسن من النوم الليلي.
فقد أكدت الدراسات أن القيلولة قد تعوض الآثار الحادة الناتجة عن قلة النوم، كذلك تزداد إنتاجية الأفراد الذين اعتادوا القيلولة عن غيرهم.
دواء مجاني..
على الرغم من أن القيلولة دواء مجاني ليس له أعراض جانبية، ولكن ومع ذلك فما زال كثير من الناس في حاجة إلى الاقتناع بأهميتها، فلقد أصبحت في طيّ النسيان منذ أمد بعيد؛ حيث أكدت الدراسات أن القيلولة:-
– تزيد من حدة يقظتك.
– تقي من الإجهاد فتحافظ على الشباب.
– ترفع معدل الدقة، وتقوي الملاحظة، وتنشط الذاكرة.
– تساعد في إنقاص الوزن.
– تساعد في التقليل من خطر الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية، وكذلك خطر السكري.
– تُحسن الحالة النفسية، وتقلل التوتر، وتبعث شعوراً بالراحة، وتُحسن من جودة النوم.
الآن كيف تحصل على القيلولة؟
رحلة إلى أخذ قيلولة..
عزيزي القارئ.. قبل أن أخبرك كيف تحصل على قيلولة، بداية عليك أن تتعرف على كيفية حدوث النوم؟
دورة النوم..
أثبتت أبحاث النوم أن النوم يتم في دورات كل دورة 90 إلى 100 دقيقة، والدورة الواحدة 5 مراحل تبدأ بمرحلة التهيئة والإحماء، وتنتهي بمرحلة ما يسمى بحركة إنسان العين، مروراً بمراحل اللاوعي والنوم العميق والتي تتضمن مرحلتين أيضاً.
وتكتمل الدورة بهذه المراحل.. وتُكرر تقريباً أربع مرات على مدار الليلة، ما عدا المرحلة الأولى.
وبعد الاستيقاظ.. هل انتهت دورات النوم؟ للأسف لا؛ حيث يستمر الأمر فيما يُعرف بدورات الظل، ويتحكم فيها مبدآن علميان هما:
– ضغط النوم، والإيقاع اليومي.
ومن خلال فهم هذين المبدأين، نستطيع معرفة متى وكيف نستفيد من القيلولة؟
ضغط النوم..
ويعني أنه عند استيقاظك من النوم يبدأ جسمك في الإلحاح للعودة للنوم مرة أخرى، ويكون هذا الضغط أقل ما يمكن بعد الاستيقاظ مباشرة، ثم يزداد كلما اتسعت الفجوة في الوقت منذ استيقاظك ويصل لأعلى معدل له مساءً عند النوم.. وبعد استسلامك للنوم يقل تدريجياً، ومع اقتراب الاستيقاظ يتلاشى هذا الضغط نهائياً.
الإيقاع اليومي..
هو المتحكم في مرحلة حركة إنسان العين والتي تعتبر آخر مرحلة في دورة النوم والتي من المتوقع أن تؤدي إلى الاستيقاظ من النوم.
وتكون في أدنى مستوى في المساء عند النوم، وتزداد تدريجياً وتصل لأعلى معدلاتها في الصباح عند الاستيقاظ.
أي أن ضغط النوم وحركة إنسان العين يسيران عكس بعضهما، ففي الصباح عند الاستيقاظ يكون ضغط النوم أقل ما يكون، وحركة إنسان العين في أعلى معدلاتها، ويبدأ كل منهما في التدرج عكس الآخر حتى موعد النوم مساءً.
أين القيلولة إذن؟
القيلولة.. تمثل تقاطع ضغط النوم مع حركة إنسان العين في وسط النهار ونحدد الفترة الزمنية المناسبة لها حسب موعد الاستيقاظ صباحاً والدخول في النوم مساءً.
فعلى سبيل المثال.. إذا كنت تستيقظ 7 ص وتنام 10م، فإن تقاطعهما يكون عند 2 بعد الظهر وبالتالي قيلولتك تكون حول 2 بعد الظهر (من 1 إلى 3)، أما لو كنت تستيقظ 10 ص وتنام 12م، فإن قيلولتك حول 4م (من 3 إلى 5م).
الآن بعد أن عرفنا أنسب وقت للقيلولة، يسأل البعض ويقول: كيف آخذ قيلولة؟ لا أستطيع أن أفعلها؟
وقد يصر البعض على أن طبيعتهم تتعارض مع أخذ قيلولة، ولكننا نؤكد أن الإنسان بيولوجياً مبرمج على أخذ قيلولة.
فلقد أكدت الأبحاث التي أجريت على الكثيرين أن الكل يستطيع أخذ قيلولة.
إذن ماذا علينا أن نفعل لتفعيل هذه الخاصية البيولوجية الرائعة؟
يتعلق الأمر بنقطتين:-
– تغيير أفكارك ومعتقداتك تجاه القيلولة.
– تهيئة المُناخ المناسب لها.
قبل أن تأخذ قيلولتك وتهيئ المناخ المناسب لها يجب أن تكون أولاً صافي الذهن، وخالياً من أي معتقد ضد القيلولة، حيث نسمع كثيراً أفكاراً سلبية متوارثة عن القيلولة مثل:-
– القيلولة تورث الكسل.
– ليس لديّ وقت لها.
– لم أفعل ما أستحق عليه القيلولة.
وغيرها..
ولو علم هؤلاء ما في القيلولة، لما قالوا ذلك فالقيلولة على العكس تعمل على شحنك لمزيد من الإنتاج، ومعها تحصل على يومين في يوم واحد، وقبل كل شيء هي حق أصيل لك لا تفرط فيه.
بعد تصفية ذهنك.. الآن إليك ما عليك فعله:
-وفر وقتاً.. عليك بترتيب يومك، واستبدل أي كماليات بالقيلولة.
– ذلل العقبات.. حدد العائق بينك وبين القيلولة وتخلّص منه.
– هيئ نفسك، حدد مكاناً للقيلولة، حتى لو كان مكتبك.. سيارتك.
– أوقف كل ما من شأنه أن يشغلك، هاتف، منبه..
– تخلص من الضوء، استخدم قناعاً أو وسادة..
– تخلص من الضوضاء، يمكنك الاستعانة بسدادة الأذن.
– وفر درجة حرارة مناسبة.
– ابتعد عن العقاقير المنبهة، وتناول ما يحتوي على كافيين قبل موعد نومك بأربع ساعات.
أصبح كل شيء على ما يرام، الآن ابدأ..
الأمر سيكون صعباً في البداية، ولكنه سينتهي نهاية سعيدة، استلقِ أغمض عينيك، خُذ أنفاساً عميقة وأطل مدة كل منها، استنشق النفس في 5 ثوانٍ وأخرجه في 5 أخرى. مارِس ذلك 5 دقائق يومياً، وأضف 5 أخرى كل يوم، ولا تشغل بالك بالنوم، فقط استلقِ حتى تشعر بالراحة.
وبمجرد أن تتلذذ بهذه الدقائق الثمينة التي ستقضيها في القيلولة، ستتوق إليها، وستجعل وقت قيلولتك إحدى سمات يومك الثابتة.
وأخيراً.. لا تتوقع حدوث المعجزات، فالبطء هو السمة المميزة لتغيرات الحياة الأكثر تأثيراً واستمرارية.
ماذا تنتظر الآن؟ فقط افعلها..
خذ قيلولة ستتغير حياتك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.