ما المانع أن تكون القراءة موضة؟

ليس جميع القراء قادرين أو راغبين حتى بقراءة كتب جان بول سارتر أو فوكو أو ديكارت أو فولتير، حتى إنهم قد لا يرغبون بقراءة كتب فكرية وفلسفية؛ ليصبحوا مثقفين حقيقيين بل تكفيهم تلك الروايات البسيطة والعاطفية، ولا يهتمون حتى بتذكر تفاصيل الكتب التي يقرأونها بعد الانتهاء منها ولا يهتمون بنقد الكتاب فنياً ولا أدبياً بل إنهم يكتفون بالساعات القليلة التي استمتعوا بها بصحبة الكتاب.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/23 الساعة 03:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/23 الساعة 03:44 بتوقيت غرينتش

بدأ مؤخراً البعض بانتقاد موجة القراءة التي انتشرت مؤخراً في العالم العربي، مطلقين عليها مصطلح "موضة"، وساخرين في نفس الوقت من تجمعات متّبعي الموضة هؤلاء في المقاهي الفخمة؛ ليناقشوا هذه الكتب "بطريقة سطحية" لا ترقى لنقاشات "المثقفين الحقيقيين"، على حد زعمهم.

أستغرب فعلاً من يحاول احتكار القراءة وجعلها حكراً للنخبة المثقفة المتمثلة بهؤلاء الذين يقرأون الكتب الفلسفية العميقة، أما هؤلاء البسطاء الذين يقضون أوقات فراغهم في قراءة الروايات البسيطة فيجب منعهم؛ كي لا تتلوث أبصار النخبة المثقفة بمنشورات السطحيين ومديحهم للروايات الهابطة، على حد وصفهم.

أيريدون أن يمنعوا العامة من القراءة بحجة سذاجتهم وبساطة اختياراتهم للكتب وعدم قدرتهم على "تحطيم بحار الجليد"؟ كما استشهد أحدهم بمقولة للكاتب فارنز كافكا.

أنمنع العامة من قراءة الكتب وننتقدهم ونسخر منهم؛ لأنهم لم يستطيعوا فك رموز الروايات وتحليلها والغوص فيها لاستنتاج خبايا نفس الكاتب؟!

في الواقع فإن القراءة تمثل لفئة ليست بالقليلة مجرد هواية فقط لا غير، لاستغلال أوقات الفراغ مثلها مثل أي هواية أو أي نشاط آخر كالرياضة أو كالتأمل أو كمشاهدة التلفاز مثلاً.

لذلك بعض القراء "البسطاء" تقتصر قراءاتهم متعمدين على بعض الروايات الدارجة ذات اللغة البسيطة التي قد نصحهم بها بعض الأصدقاء، أو لأنها الأكثر مبيعاً في المكتبات المحلية.

ليس جميع القراء قادرين أو راغبين حتى بقراءة كتب جان بول سارتر أو فوكو أو ديكارت أو فولتير، حتى إنهم قد لا يرغبون بقراءة كتب فكرية وفلسفية؛ ليصبحوا مثقفين حقيقيين بل تكفيهم تلك الروايات البسيطة والعاطفية، ولا يهتمون حتى بتذكر تفاصيل الكتب التي يقرأونها بعد الانتهاء منها ولا يهتمون بنقد الكتاب فنياً ولا أدبياً بل إنهم يكتفون بالساعات القليلة التي استمتعوا بها بصحبة الكتاب.

تستفزني أيضاً الصورة التي يرسمها هؤلاء "للقارئ والمثقف الحقيقي" الذي يجب أن يكون إنساناً انطوائياً وحيداً يدخن سجائره ويحتسي قهوته في المقاهي الشعبية ويتشدق بمصطلحات فلسفية ليبرز مدى عمقه وثقافته.

هل يا ترى قراءة الكتب حكر عليهم؟
أيهما أفضل! أن يجتمع الشباب في مقاهي فاخرة لمناقشة كتب غير عميقة بطريقة سطحية أم أن يجتمعوا في نفس المقاهي الفاخرة لإضاعة الوقت بلعب الورق وتدخين الشيشة، ثم ما هي هيبة الكتب التي يخشى عليها "القراء الحقيقيون" أن تختفي، ولماذا الخوف على القصور العاجية والصورة النمطية للكتاب التقليديين "غير السطحيين"؟ لماذا الخوف من ظهور كتاب شباب يلتقطون صور سيلفي ويجتمعون مع قرائهم غير العميقين في مقاهٍ فاخرة؟

أي نعم أقر أن هناك الكثير من الروايات والكتب البسيطة تتصدر المشهد حالياً ولاقت إقبالاً كبيراً جداً، لكن قراءة الكتب البسيطة هذه التي يبدأ بها القراء عادة قد تفجر مواهب وفنوناً وقدرات أدبية عظيمة، فنيوتن مثلاً أضاع سنين من عمره محاولاً فك رموز عددية في الكتب المقدسة، وهو ما يعتبره كثيرون الآن سخافة، لكن سخافة نيوتن هذه نقلته لأعمال عظيمة وإنجازات خالدة، فلا يجب استصغار هذه الأعمال البسيطة والسخرية منها.

بعض أنواع الموضة مضرة اجتماعياً؛ لكن إن أردنا وصف القراءة بوصف "موضة" فإنها موضة إيجابية، يجب أن يسعد "المثقفون الحقيقيون" برغبة هذا الجيل في القراءة، لكن إن وجدنا أن قراءاته "لا تحطم بحار الجليد" فلا يجب السخرية منه ومنعه من القراءة بل يجب توجيهه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد