توقع خبير مصري في السدود والمياه تصعيداً بين مصر والسودان بسبب أزمة مياه النيل، كاشفاً أن السجال الأخير بين وزيري خارجية مياه البلدين تعبير عن مشكلات خطيرة بين البلدين، بعضها غير معلنة ولا تقتصر على النيل، موضحاً في الوقت ذاته الحقيقة التاريخية لما قيل عن السلفة السودانية لمصر من ماء النيل.
وقال أستاذ هندسة السدود بجامعة يونتين-ماليزيا محمد حافظ، لـ"عربي بوست"، إن النزاع المصري-السوداني سوف يأخذ شكلاً أكثر تصعيداً؛ وذلك بسبب أن السودان يعتبر أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يتآمر عليه ويدعم حكومة دولة جنوب السودان ويزودها بالأسلحة، مطالباً بمعالجة الأزمة في إطار العلاقات الأخوية التاريخية بين البلدين.
وكان وزير خارجية السودان، إبراهيم غندور، قد طالب بما وصفه بحصة بلاده كاملة في مياه النيل ومنع مصر من أخذ جزء منها كما كان يحدث منذ عام 1959.
وقال غندور، في حواره مع قناة RT الروسية الإثنين 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إن موقف مصر من سد النهضة يتعارض ومصالح السودان، وإن مصر لم تقبل بشراكة زراعية مع بلاده، مطالباً النظام المصري بتسليم السودان حلايب وشلاتين كما سلم تيران وصنافير للسعودية.
حقيقة السلفة السودانية
ويرى الأكاديمي المصري الدكتور محمد حافظ أن حديث وزير الخارجية السوداني عن "سُلفة" مصر المائية من السودان ينقصه الكثير من الدقة.
وقال إن هذا فقط للاستهلاك المحلي في السودان ولكن ليس له مجال في العلاقات الدولية.
وأضاف أنه بالفعل يمنح السودان مصر كل عامٍ قرابة 6.0 مليار متر مكعب خلال شهر يونيو/حزيران ويوليو/تموزك من كل عام، ولكن تلك المنحة ليست عربون محبة لمصر شعباً أو حكومة؛ بل هو "مجبَر أخاك لا بطل"، حسب تعبيره.
فالسدود السودانية لا تتسع أحجامها لكميات التدفقات القادمة من النيل الأزرق خلال فصل الصيف، ولا بد أن تفرغ وزارة الري السودانية خزانات تلك السدود مما بها من مياه متبقية من فيضان العام الماضي؛ لتستقبل فيضان العام المائي الحالي والذي يبدأ كل عام أول أغسطس/آب.
ولفت الخبير المائي إلى الضرر الذي يصيب السودان عندما تقع فيضانات مثلما حدث في عامي 2016 و2017، وكيف أغرقت الفيضانات معظم المدن السودانية وخربت البنية التحتية للعديد من المدن، هذا على الرغم من أن إجمالي كل تلك الفيضانات لا يزيد على 2.0 مليار متر مكعب.
وأوضح أن اتفاقية 1959، بين مصر والسودان لم تذكر بتاتاً موضوع هذه السلفة؛ لأن ظهورها بدأ بعدما اكتمل تخزين السد العالي لأول مرة خلال السبعينيات. ووفقاً للاتفاقية، فإن متوسط إيراد النيل الأزرق على مدار السنوات السبع السابقة لتلك الاتفاقية كان يعادل 48 مليار متر مكعب، ومتوسط إيراد نهر عطبرة مجتمعاً مع السوباط والنيل الأبيض خلال الفترة نفسها يعادل 36 مليار متر مكعب.
وعليه، فإجمالي ما يتم وصوله من مياه لبحيرة ناصر من المفترض أنه يعادل 84 مليار متر مكعب سنوياً؛ يخصم من تلك الكمية 10 مليارات متر مكعب فواقد تحت قاع البحيرة، وأيضاً تبخر ويتبقى 74 ملياراً تُوزع على أساس 55.5 مليار متر مكعب كحصة لمصر، و18.5 كحصة للسودان.
سر توقيت هذا الخلاف
ورأى أستاذ هندسة السدود بجامعة يونتين بماليزيا أن إثارة السودان هذه الأمور الخلافية اليوم هو تمهيد من الحكومة السودانية للخروج من اتفاقية عام 1959، التي تنص على تحمّل الدولتين الخسائر في تدفقات النيل معاً خلال سنوات الجفاف.
وأضاف: "لهذا، بدأ السودان فتح ما وصفه بـ(الكتب الصفراء القديمة)؛ بحثاً عن أمر خلافي مع مصر يمنح حكومة الخرطوم قدرًا من الدعم الأخلاقي أمام شعبه للتخلي عن القاهرة خلال تلك الأزمة الكبيرة التي ستمر بها مصر بعد تشغيل سد النهضة".
وقال إن الحكومة السودانية بدأت اليوم بموضوع "السلفة" ثم بموضوع سحب 105 آلاف فدان، عبارة عن استثمارات مصرية بولاية النيل الأزرق؛ بحجة عدم قيام المستثمرين المصريين بتطوير تلك الأرض، كما هو ينبغي؛ بينما هناك سبب آخر مختلف، حسب قوله، وهو خشية الحكومة السودانية قيام المخابرات المصرية باستغلال تلك البقعة الواقعة على بُعد 60 كم من سد النهضة الإثيوبي في تنفيذ عمل تخريبي لسد النهضة يضعها في مواجهة عسكرية مع إثيوبيا.
نزاع أكثر عنفاً
وتوقع أن يأخذ النزاع المصري-السوداني، شكلاً أكثر عنفًا؛ وذلك بسبب ما وصفه بـ"موقف السيسي المتآمر" على دولة السودان من خلال دعمه حكومة دولة جنوب السودان وتزويدها بالأسلحة، ومحاولته أن يلعب دوراً رئيساً في شؤون تلك الدولة من خلال تدخله في طبيعة العلاقات بين الأجنحة المتحاربة بدولة جنوب السودان والإصلاح بينها قبل أيام من خلال توقيعهم اتفاقية "إعلان القاهرة" التي أسست للقوى المتحاربة بدولة جنوب السودان مساراً جديداً على غير رغبة الحكومة السودانية في الشمال.
هل التصعيد السوداني يعطي فرصة أكبر لإثيوبيا كي تنهي السد؟
يقول الخبير المائي إنه بغض النظر عن التصعيد السوداني ضد مصر، فإن إثيوبيا تمضي في طريقها ببناء سد النهضة وما يليه من 3 سدود علوية بهدف حرمان مصر تحديداً من حقوقها في مياه نهر النيل الأزرق.
ويشير الدكتور محمد حافظ إلى أنه لأكثر من 50 عاماً تتوالى الحكومات تلو الحكومات على الدولة المصرية، وجميعهم يضعون على أولوية أجندتهم قضية التكامل الاقتصادي بين مصر والسودان؛ إلا أن الفشل كان دائماً حليف كل تلك المحاولات، والسبب في ذلك عدم وجود خط سكة حديدية يربط بين البلدين، فهو "مفتاح أي شراكة اقتصادية حقيقية".
إذ تعمّد الاحتلال الإنكليزي، الذي كان يحكم مصر والسودان خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، عرقلة هذا التكامل الاقتصادي بين شقي وادي النيل، ومن أمثلة ما فعل لمنع هذا التكامل جعل المسافة بين القضيبين لسكة الحديد المصرية أوسع من المسافة بين القضيبين لسكة الحديد السودانية.
وأضاف أنه منذ تحرر مصر والسودان من المستعمر المشترك، لم تنجح أي من حكومات الدولتين في حل هذه المعضلة التي تعيق حقاً أي فكرة للتكامل الاقتصادي بينهما؛ يضاف إلى ذلك عدم وجود رغبة سياسية.
ولفت إلى أن ربط التعاون الاقتصادي بين البلدين بمشكلة مثلث حلايب زاد الأمر تعقيداً.