رسالة حب وتقدير واعتذار لكائن النمل، نعم هو اعتذار أكثر منه اعترافاً بالحب والتقدير.
بدأت قصتي مع النمل مع أول انتقام حقيقي أشعر به، ويكأنه انتقام شخصي، انتقام من ذلك الكائن البشري الذي قام بهدم بيت وحياة عائلة بأكملها فقط برشة مبيد حشري وبكل سهولة وسرعة دون مراعاة لمصير عائلة بأكملها.
لم أستوعب الدرس الذي علّمني إياه هذا الكائن المنظّم المتعاون، فأنا عادة ما يستفزني شكل أسراب النمل، وأنزعج بشدة من لدغته التي دائماً ما تترك أثراً واضحاً على جسمي، وفي يوم من الأيام قررت هدم أحد بيوت النمل التي استقرت بداخل منزلي.
قمت بالفعل بالهدم وليس بالمبيد الحشري الذي عادة ما أستخدمه لذلك، بل بطريقة أكثر بشاعةً وأنانيةً وظلماً لهذا الكائن الرقيق (الكيوت) رشيق القوام، صغير الحجم، فكانت النتيجة هو ذلك الشعور الذي انتابني.
شعوري ليس ندماً على ما فعلت؛ حيث قتل عائلة كبيرة متعاونة محبة لبعضها البعض يساعد كل منهم الآخر فقط من أجل التنعم بالحياة، وبالدنيا التي خلقها الله لهم ولغيرهم من الكائنات الحية، ولكن هو تدبّر ما حدث لي وتفسيره، ويكأنه انتقام إحدى النملات من شخصي (القاتل) لمعظم أفراد عائلتها، المتسبب في فكّ شمل الأسرة، هادم اللذات ومفرّق الجماعات.
أتذكر أن قرصة النملة شيء عادي وحدث لي مراراً وتكراراً، لكن هذه المرة كانت غير كل المرات، حيث ربطت تلك القرصة بهدم البيت، وذلك بسبب تبعية القرصة لفعلي الشنيع الذي لم أسامح نفسي بعده على الإطلاق، وقررت بعد تلك القرصة التي تركت أثراً واضحاً على جسمي، ألا أقوم بهدم أي بيت خاص للنمل بعد ذلك رغم ما يسببه لي من مضايقات.
أدركت بعد انتقام إحدى النملات منّي، أو ما اعتبرته أنا (انتقاماً) بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لمدى عظمة هذا الكائن، ومدى بشاعة فعلي، فكيف أجرؤ على هدم بيت يقوم أساسه على التعاون والمحبة والألفة فيما بعضهم؟ كيف أجرؤ على قتل كائنات حية تسبّح بحمد الله عز وجل؟ كيف أجرؤ على قتل إحدى النملات وهي حاملة للطعام في مشهد يمثل مدى حرص هذا الكائن على لقمة العيش والبقاء حياً على وجه الأرض متجنباً أي مشاكل أو صراعات خارجية قد تحدث له؟ كيف أجرؤ على حشرات صغيرة أخذت بالأسباب واجتهدت وتعبت في هذا العالم المليء بالكائنات البشرية مصدر الخوف والقلق بالنسبة لهم غير واضعة في الاعتبار مصدر قوتهم.
لذلك كان من واجبي هو تخصيص مقال عن النمل، لكني لم أبرز بالتفصيل سمات وخصائص وأنواع النمل وطريقة معيشته واحتفاظه للأكل وبياته الشتوي الذي دائماً ما يفعله، ولا قصة سيدنا سليمان الشهيرة مع النمل، وتحديداً في السورة التي سُميت باسم هذه الحشرة الصغيرة، فلقد ذكر النمل في القرآن الكريم في آية واحدة ثلاث مرات، مرة بصيغة الإفراد ومرتين بصيغة الجمع، وذلك في سورة النمل؛ حيث قال تعالى: "حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" [النمل: 18].
وقال الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة: "حتى إذا أتى سليمان وجنوده على وادي النمل (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ) يقول: لا يكسرنكم ويقتلنكم سليمان وجنوده، (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) يقول: وهم لا يعلمون أنهم يحطمونكم".
وهذه الآية تثبت أن للنمل لغةً يتخاطبون بها.
هذا أيضاً غير ما ذكر بالسنة النبوية المشرفة، فلقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النمل أمة من الأمم تسبّح الله تعالى، فعن أبي هريرة، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن نملة قرصت نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح!".
ولكن كتبت هذا المقال من أجل الاعتذار للنمل أمام الجميع، وربط اسمي بالنمل ذلك الكائن الاجتماعي المتعاون لإثبات مدى حبي واحترامي له، واعتذاري الرسمي له على الملأ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.