استفاد الغرب والقوى العظمى من تجارب مأساة الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) والثانية (1939 – 1945)، فكان اللجوء لربط القرار السيادي بين مؤسسات معنية ذات خبرة ضمن إدارة الدولة قراراً صائباً، الأمر الذي دفعهم للتوجه إلى دول الجوار فيما بعد وإنشاء هيئات دولية كمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وغيرها من المؤسسات المعنية.
وبالفعل تجاوزوا قدر الإمكان من الحروب ضد بعضهم البعض مع وضع دساتير وقوانين تحفظ لهم الحقوق المشتركة، الأمر الذي زاد من متانة اقتصادهم ورفاهية شعوبهم، في حين ظل الشرق الأوسط على ذهنية جنون العظمة من خلال استملاك كرسي الرئاسة.
حيث إن الكثير من الرؤساء لها مطامع لا حدود لها، فسرعان ما يصبح ذاك الإنسان رئيساً أو حاكماً لدولة؛ ليبدأ بالتفرد بالقرار ووضع مصير دولة وشعب بكامله وفق معيار المنطق لديه.
وفي أي ردة فعل شخصية يستطيع جر الدولة بكاملها إلى حرب شاملة في سبيل إرضاء نفسه داخلياً للشعور بأنه الرجل الذي لا يستهان به، وتلك بحد ذاتها كارثة تواجهها دول الشرق الأوسط وواجهتها من قبل.
وتفتيت الاتحاد السوفييتي عام 1991 خير مثال على ذلك حين بادر رئيسها ميخائيل غورباتشوف إلى إصدار قرارات مصيرية عسكرية عشوائية أمام نظيره الأميركي، وفق منظوره الشخصي لتخفيف العجز الاقتصادي للسوفييت ومجابهة خصمه، ومن ثَم إعادة التجربة برؤساء حكموا إيران التي فتحت حرباً خاصة بها من خلال استملاك القرار السيادي للدولة لولاية الفقيه، ودفع الطائفة الشيعية لمقاتلة السّنّة وفق مصالح نظامها الحاكم حتى أصبحت الدولة الأكثر دعماً للإرهاب، ومن ثَم العراق وسوريا، والدمار الذي نتج عن ديكتاتورية حكامها حتى باتت تلك الدول فريسة سهلة لمطامع الأعداء، وتهجّر شعوبها على أبواب الغرب، وطبعاً الدول الغربية والقوى العظمى، وعلى رأسهم أميركا، ليست بدول تسعى للديمقراطية بمجرد أن شعوبها في رخاء وحرية.
فالشعب الكردي الذي دَوّن التاريخ بصفحاتهِ تاريخهم النضالي ضد الظلم، وبراءتهم وسعيهم للعيش بالمحبة والسلام على هذه الأرض مع الشعوب الأخرى لطالما يتساءل: لماذا تلك الدول تدعم دولاً مبنية على أساس طائفي كإيران (الشيعية) والسعودية (السنية) وتوابعهم من الدول الأخرى على هذا الأساس (العراق – سوريا – لبنان – اليمن – ليبيا) كل هذه الدول أصبحت تُبنى على أساس طائفي ووحدهم شعب عريق تعداده 60 مليون كردي في العالم محرومون من بناء دولة كردية كان جزء منها على وشك الإعلان، بقيادة العائلة البارزانية.
وشاهدت شعوب العالم بمجملها كيف خذلت أنظمتهم الحاكمة الكرد في اللحظة الحاسمة التي استعدوا فيها لإعلان دولتهم المشروعة والعادلة في إقليم كردستان العراق.
وكانت إيران على رأس الحملة العسكرية التي احتلت محافظة كركوك الكردستانية في 16-10-2017 بإشراف قائد فيلق القدس قاسم سليماني، تلاه ميلان موقف المملكة العربية السعودية من إقليم كردستان والبدء بتسيير أولى رحلات الطيران إلى بغداد بعد انقطاع دام 25 عاماً، وفيما بعد توقيعها عقوداً هائلة مع حكومة حيدر العبادي (الطائفية بامتياز إيراني)، ومباركتها لهم بالنصر واصطفافها مع باقي الدول التي نادت بأنها مع وحدة العراق رغم الحقيقة المطلقة أن العراق هو ولاية تابعة لطهران، وفي صمت غربي رهيب رافقه التناسي من قِبل القوى العظمى لما جرى من انتهاك واضح من قِبل ميليشيات الحشد الشعبي التي أحرقت منازل المدنيين في كركوك وقامت بتهجير قسري للكرد من المحافظة.
وهنا عودة للمنطق والتمييز بين الإيمان والإلحاد؛ حيث إن كان جميعهم يؤمن بالإله الواحد فأين هم من كلمات الله (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، إن عدم الاعتراف بوجود شعب كردي على أرضه، وتناسي حقوقه وربطها بقوانين هشة هو الإلحاد بحد ذاته.
ربما يتذرع البعض بأن فصل الدين عن السياسة هو ما يتم تطبيقه على خارطة الشرق الأوسط الجديد، وتلك شعارات لا أساس لها من الوجود، فهل يعقل أن لا تتم الاستفادة من التجارب السابقة التي جلبت الحروب والدمار للشعوب، فالتناقض ما زال موجوداً بقوة على أرض الواقع؛ حيث إن السياسة لعبة بعيدة كل البعد عن الأخلاق والقيم الإنسانية، في حين أن الهدف من ممارستها هو إثبات القيم والأخلاق وحقوق الإنسان، وتخفيف المعاناة عن الشعوب المضطهدة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.