الاستراتيجيات المرهقة والتشغيل اللامنتمي

كل ذلك يبدو جيداً ومنطقياً وجميلاً، على الرغم من أنه غير منضبط على الإطلاق ويعتمد على مرونة شديدة، وقدرة هائلة في تحمّل الضغوط والتحكم بالانثناءات المحتملة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/22 الساعة 07:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/22 الساعة 07:07 بتوقيت غرينتش

من أجل عمل أكثر إتقاناً عليك أن تخطط، أن تضع خطة استراتيجية لعملك، وخُططاً تشغيلية تتضمن خطوات إنجاز الأهداف الفرعية للوصول للهدف الاستراتيجي، هذا غالباً ما يخبرنا به رواد إدارة الأعمال وقيادة الشركات الناجحة.

يكملون في بعض الأحيان بأنه عليك أن تتحلى بالمرونة أثناء التخطيط في بيئات غير مستقرة تتعرض للكوارث أو الحروب؛ لأن احتمالات تغير الظروف المحيطة في العمل فيها كبيرة جداً، عليك أن تخطط بناء على الأهداف المتحققة عندها، وليس على الأهداف الممكنة؛ لذلك يجب أن تبني خطتك بطريقة تجعلها قابلة للتغيير إذا لم تستطِع الوصول إلى بعض الأهداف بسبب البيئة المتغيرة، وعليك أن تستفيد من المؤشرات التي أدت لنجاحك في تحقيق بعض الأهداف من أجل بناء الأهداف الجديدة لتمنحها فرصة نجاح أكبر، وكل ذلك يجب أن يسير باتجاه الهدف الاستراتيجي.

كل ذلك يبدو جيداً ومنطقياً وجميلاً، على الرغم من أنه غير منضبط على الإطلاق ويعتمد على مرونة شديدة، وقدرة هائلة في تحمّل الضغوط والتحكم بالانثناءات المحتملة.

غالباً لا ينال التخطيط الاستراتيجي نفس الأهمية التي يحظى بها التخطيط التشغيلي، ذلك لأنه يحدد رؤية وأهدافاً وغايات بعيدة، لا يمكن أن تتحول إلى إجراءات إلا من خلال التخطيط التشغيلي الذي يحولها إلى مجموعة أهداف مرحلية متعاقبة أحياناً ومتماشية أحياناً أخرى، ويضع لها آليات التقييم والمتابعة اللازمة، والخطوات والمؤشرات التي تضمن قدر الإمكان إنفاذها بالشكل الجيد.

وأيضاً في بيئة العمل المباشرة يبدو هذا الكلام منصفاً جداً، فعليّ أن أركز بما أفعل، من أجل تحقيق ما أريد، وليس التركيز على ما أريد، دون الانتباه الشديد لما أفعله، والذي قد يذهب بكل شيء أدراج الرياح إذا لم يكن متقناً وذا جدوى.

أود إضافة فكرة صغيرة هنا، لا أدّعي أني أول من قالها، ولكن على الأقل رافقتني في مختلف ظروف العمل:
من أجل عمل أكثر نجاحاً، على الخطة الاستراتيجية أن ترزح تحت مطرقة التغيير نفسها التي تكون مسيطرة على آليات التشغيل، تلك التي تخضع للظروف، فكثير من الأهداف الاستراتيجية مع مرور الوقت تصبح بلا جدوى، أو بلا إمكانية للتحقق، على الرغم من النجاح بالأهداف التشغيلية التي تصبح في مسار خاص لا ينتمي لها؛ لأن الهدف التشغيلي يحقق أثره المباشر في الأمور التي يقوم بفعلها، وليس شرطاً في البيئة المتغيرة أن يوصل إلى النتائج المرتجاة مهما كان مرناً؛ لذلك على الهدف الاستراتيجي أن يتغير من أجل تحقيق الإنجاز، ويعاد النظر فيه سنوياً كما يحدث بالنسبة للخطة التشغيلية، وتقيم احتمالات حدوثه على أساس الأهداف المحققة له ومدى فاعليتها، وتحققها في هذه الفترة، فيخضع سلم التخطيط بالكامل لجميع التعديلات الممكنة، التي بإمكانها أن تحفظ الإنجاز، وليس فقط للتعديلات الجزئية التي تحافظ على الهدف.

إن الأهداف التي تبدو غير واقعية ليست جديرة بالعمل في سبيلها، مهما كانت مهمة، وذات رسالة سامية، أنها تورث العجز مع الأيام، كما تورث الأحلام والأماني وطول الأمل الفارغ، الذي يعلق النجاح دائماً على الأجيال القادمة.

معظم الخطط الاستراتيجية للمؤسسات التي تحمل قيماً وطنية أو دينية كبرى تقع تحت سطوة صعوبة التخلي عن هذه الأهداف بوصفها ثوابت لا بد من فعلها، ويظهر بكثرة في خطاباتها تلك المفاهيم الكبرى التي تجلب الشباب المتحمس التي تقوم بقتله عندما يشعر بالعجز أمام واقع متغير وممكنات محدودة.

مفهوم وحدة الأمة أحد تلك المفاهيم على سبيل المثال، الذي يبدو مفهوماً أخرق لا يعدو كونه أماني للحالمين، الذي يختمون حياتهم التعيسة عادةً بقولهم: "لقد فعلنا كل شيء، ولم ننجح، وعليكم أن تفعلوا ما تستطيعون"، مع أنهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئاً سوى أن وضعوا لأنفسهم أهدافاً تشعرهم بصعوبة الطريق الذي يسلكونه وتجعل إحباطهم أكثر تبريراً.

ما أود قوله في النهاية: إن الأهداف الكبرى ذات الصبغة الاستراتيجية، تأتي لوحدها عندما يتم تحقيق ذلك الكم الكبير من النجاحات المتداعية في الطريق، والتي تكون دائماً أموراً ممكنة، وهذا ما علينا صياغته في حياتنا.

إن السعي وراء الممكن هو الطريق لجعل غير الممكن بمتناول اليد مع مرور الزمن؛ ليصبح مجرد آليات تشغيلية سهلة، لا تحتاج سوى قرار المضي في الطريق.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد