غزة.. الجرح الذي لا يشفى

شيء غريب يجذبني لأطفال فلسطين، وغزة خاصة، إحساس فظيع يجول بخاطري ويتغلغل في مسام روحي كلما شاهدت طفلاً فلسطينياً وراء الشاشات، أجدهم مختلفين جداً، براءة وجوههم خيالية وابتساماتهم الجميلة غير عادية، وكأنها سيف حاد يواجهون بها ضعفهم وقلّة حيلتهم، بين زحام الجروح والخوف والحرمان.. فهم حقاً لا يشبهون أقرانهم من العرب في شيء، أطفال أقصى ما يتمنون الحرية ثم الحرية لوطنهم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/21 الساعة 06:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/21 الساعة 06:41 بتوقيت غرينتش

قرأت قبل أيام تدوينة عبر موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" لشاب فلسطيني ينحدر من قطاع غزة، يتساءل فيها عن كيف يمكن للعرب أن يسافروا ويجولوا بقاع العالم بكل حرية وتلقائية وإخوانهم في غزة محاصرون منذ أزيد من أحد عشر عاماً؟

فكانت تدوينته تلك كوخزة مؤلمة في قلبي.. تدوينة أيقظت بداخلي مشاعر الحسرة والأسف على واقعنا العربي!

أخجل حقاً أن أتمم كلمات تدوينتي هذه، أتأسف حقاً وأخشى أن أقصّر في وصف واقعكم يا أهل غزة.

فبالرغم من كل التعاطف والحزن الذي قد نشعر به نحن -هنا- تجاهكم، لن نستطيع أبداً الشعور بما تشعرون به أنتم.

قد تؤلمنا كلماتكم وتحزنا أوضاعكم وتحدث جرحاً عميقاً في قلوبنا، لكننا لن نستطيع أبدا إدراك شعور الألم الذي تتألمون، ولا مرارة الحزن التي تذوقون ولا الحياة المزرية التي تعيشون.

قد نكتب عن الصمود، عن الكفاح، وعن النضال أيضاً، لكننا لن ندرك أبداً معاني الصمود بالقدر الذي تدركونه أنتم.

قد نكتب عن الحرية عن الكرامة وعن العدالة أيضاً، لكننا لن أشعر أبداً بالحرمان الذي تشعرون به فما تعيشونه أقوى من الوصف، ولا توجد كلمات قادرة على وصفه، فظيعة هي الأوضاع التي استطعتم أن تتعايشوا معها.

كم هو مهم أن تعيش في واقع أنت فيه حر.. حر وكفى.

مهم جداً أن تشعر أنك إنسان حر، بإمكانك أن تتنقل متى شئت، وأينما شئت، بإمكانك أن تطلق العنان لقدميك وتجول بقاع وطنك، تشم ريح ترابه وتتنفس عطر هوائه، وتذكر نفسك في كل لحظة أنك حر، حر طليق في بلدك بلا سلاسل وبلا قيود.

ليس شرطاً أن تكون دائم السفر والتجوال لتشعر أنك "شخص حر"، فبمجرد أن تتمتع بشعور إمكان متى أردت ذلك والتنقل بكل حرية داخل وطنك وخارجه، كفيل أن يجعلك تستشعر حتماً معنى الحرية، وهذا ما أدركته بالضبط إثر قراءتي تدوينة الشاب الفلسطيني تلك، فصعب جداً أن تعيش معزولاً عن العالم، مقيداً ومحروماً من كل شيء، في بقعة محدودة، بأوضاع اقتصادية وإنسانية مزريةٍ؛ اعتبرت الأسوأ في العالم، والمؤلم حقاً هو أن تشعر أنك غريب في وطنك، غريب ومهدد في كل لحظة ومتوقع الأبشع دائماً.

لطالما تبادرت إلى ذهني أسئلة كثيرة بشأن غزة، لطالما تساءلت وقلت: ألهذه الدرجة يعتبر "الصوت العربي " صوتا غير مسموع؟ ماذا لو تم اتخاذ قرارات عربية عملية حاسمة، تلزم إسرائيل برفع الحصار عن غزة؟ ماذا لو تضامن العرب ككتلة قوة واحدة وشكّلوا ضغطاً دولياً حقيقياً لإنهاء الحصار؟ أحقاً لن يتغير شيء؟ أحقاً لن يتم إنهاء هذا الصمت الدولي الرهيب على غزة؟

لك الله يا غزة.. فضميرنا العربي قد مات!

شيء غريب يجذبني لأطفال فلسطين، وغزة خاصة، إحساس فظيع يجول بخاطري ويتغلغل في مسام روحي كلما شاهدت طفلاً فلسطينياً وراء الشاشات، أجدهم مختلفين جداً، براءة وجوههم خيالية وابتساماتهم الجميلة غير عادية، وكأنها سيف حاد يواجهون بها ضعفهم وقلّة حيلتهم، بين زحام الجروح والخوف والحرمان.. فهم حقاً لا يشبهون أقرانهم من العرب في شيء، أطفال أقصى ما يتمنون الحرية ثم الحرية لوطنهم.

حياة آمنة ومستقرة هي كل أمانيهم، أطفال تخطّوا الحدود بأحلامهم وطموحاتهم اللامنتهية، قد يكون سقف أحلامهم محدوداً جداً، وسقف الأحلام والطموحات يكون بقدر الإمكانيات، لكن صمودهم ونضالهم تعدّى كل الحدود.

لأطفال غزة، في تلك البقعة البعيدة هناك: لكم منّي ألف سلام وتحية، صبراً يا أبطال غزة، فأنتم الأمل، وأنتم المستقبل، والنصر على أيديكم لا محالة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد