يكتب كاتبٌ ما مقالاً على صفحة إلكترونية ما، يسرد خلاله ما لفظه قلبه الصغير حباً وغيرةً على وطنه الكبير، يصب في قالب الفهم والتفهّم، يحاول هذا الكاتب المجتهد أن يلقي الضوء على ما اعتقد أنّه غاب عن الأذهان.
وسرعان ما يتفاجأ بسيل من السبّ والقدح والذمّ، وممن؟ من أناس يدّعون الحضارة والعقل والاتزان والرجحان، هذه هي الحال التي أعيتني منذ قررت حمل قلمي والشخبطة على الجدران الإلكترونية؛ لعلي أحترق كل يوم كما احترق كثير غيري، احترقوا وبقيت كلماتهم خالدة.
عندما تجد الكثير من المعلّقين والأساتذة "الكبار" يرفعون أقلامهم لإدانة ذاك الكاتب أو هذا، فهم يساهمون بجهلهم في إطفاء الكثير من الشرعية على ما يكتبه؛ إذ من المستفزِّ للعقول أن تجد مَن يهاجم الكاتب بدل مهاجمة ما يكتبه، والقاعدة بسيطة في هذا المقام؛ إذ إنّ الجميع يعلمون أنّ الفكرة لا تموت ولا تفنى، ومَن يهاجم الأشخاص فهو يهاجم الأصنام لا غير، ألم يعتبروا هؤلاء من الإسلام؟
أتى الإسلام فانتشر في أنحاء الأرض، ونجح في هزيمة الأوثان، والسبب في هذا بسيط؛ إذ إنّ الإسلام وهو يعرّف بنفسه كان يقوم بذلك عبر التنظير والتأصيل الفكري، فقد جاء بأفكار، مثل فكرة الوحدانية لله، فكرة المعاملات بالتي هي أحسن وأفكار أخرى في العقيدة والمعاملات وغيرها، بينما كان منافسوه يعقدون الأحلاف، ويحتفلون بأخلاق لا يلتزمون بها، ويتمسكون بمراكز صنع القرار ومراكز ثقافية كمكّة وما جاورها، فقط! ولم يتوقفوا عند هذا، بل راحوا يحمون أنفسهم ومراكز قواهم أمام موجة المساواة التي جاء بها الإسلام بأصنام مادية تمتد إلى الأفكار، كما أنا أمتد إلى علم الفلك.
مواجهة الأفكار بالمادة ليست حكراً على المواجهة الإسلامية الوثنية في زمن مضى، بل هناك الكثير من الأمثلة غيرها، فعلى سبيل المثال أيضاً، حتى في الغرب في أزمنة مضت وجد نفسه في نفس المأزق، إذ غاليليو قُتل بعد أن عزل عن الناس، فماذا كانت النتيجة؟ أثبت التاريخ العلمي أنه كان على صواب وهزم جلاديه من القساوسة، وما الذي حدث بعد موت سقراط بتلك المؤامرة الشهيرة؟ لا شيء يذكر سوى أنّ تلك المحاكمة المضحكة – المبكية، أنتجت فيلسوفين من أقدر الأفراد على تغيير وجه العالم، ولا تزال أفكارهما بادية على تركيبة الفكر العالمي حتى الآن، أتحدث عن أفلاطون وأرسطو ورثة ميراث سقراط العقلي؛ أن تهاجم كاتباً في شخصه بدل تفنيد أفكاره فأنت لا تهزمه، بل تستسلم أمامه، والفكر سجال، يوم لي ويوم عليّ، اسألوا الرجل الذي هزم الإمبراطورية بأكملها، ففي حين بنت هي الساحات وحاولت فرض مجدها بقوة الجيوش والعتاد والتنظيم والقانون بالبطش والعبودية وبناء القلاع والقصور، كان هو يسطّر نصره بفكرة "الثورة على الظلم" من قلب تلك الإمبراطورية عينها، فقد ثار على من قتل قيصره طمعاً في عرشه، وحاول اغتياله طمعاً في القضاء على أقوى المنافسين له، وعندما لم ينجح قتل عائلته (زوجته وابنه) بطريقة وحشية دون رحمة.
طبعاً أنا أتحدث عن القصة الشهيرة التي كان بطلها: "ماكسيموس"؛ معروف عن الجزائري حماسه المنقطع النظير، معروف عنه بأنّه وطنيّ إلى غاية النخاع، لكن أن ينتفض ضد كاتب؛ لأنه كتب مقالاً على صفحة إلكترونية عن الجزائر، فقط لأنّ هذا الجزائري قد أعطى تأويلات عن هذا المقال على حسب وعيه وتركيبته الفكرية البسيطة، فهذا يضرّ بالفرد ذاته، وبالوطن الذي ينتسب إليه، ويعزز ثقة ذاك الكاتب بنفسه، ويعطي الكثير من الحصانة لتلك الأفكار، فكون منتقديها تحاشوا انتقادها هي وانتقدوا كاتبها، فهذا يجعل منها صلبة حتى ولو كانت على الأرضية الفكرية أوهن من بيوت العنكبوت.
يا معشر الجزائريين.. أرجوكم اعتبروا من فيلسوف الجزائر المطرود مالك بن نبي من فضلكم، فقد بيّن الحدّ الفاصل بين عالم الأشخاص وعالم الأفكار.. والأيام بيننا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.