مذكرات من زمن الصحوة الديمقراطية

ما يهمنا نحن، هو بداية هجرة الأوطان والشعوب نحو الحرية السياسية؛ أي شوق الشعوب في استرجاع ملكيتها بعد الانحطاط الذي عانته عقوداً من الزمن والذي جعل منها بلداناً ثالثية راكدة سياسياً وثقافياً وفكرياً واجتماعياً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/18 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/18 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش

الورقة الأولى
قبل الحديث عن الربيع الديمقراطي لنرى تاريخه وجذوره في الدول العربية والغربية، كان للصحوة الدينية وقع كبير على المجتمعات العربية، الأمر الذي جعل هذه الشعوب تهاجر نحو الله عز وجل ثم هجرة أخرى شملت العالم بأسره هي هجرة نحو الديمقراطية وانتقال لوضع التعاقد الاجتماعي ووضع مدني يسود فيه السلم والأمن الاجتماعي وبداية تأسيس مؤسسات الدولة المدنية منها والعسكرية أو كما يسميه فلاسفة العقد الاجتماعي هوبز ولوك وروسو وسبينوزا الانتقال من وضع طبيعي إلى آخر مدني، وأن الإنسان قبل هذا الانتقال كان في حرب الواحد ضد الكل، ومعتبرين أن أصل قيام أنظمة الحكم يقوم على عقد اجتماعي يعتبر الشعب فيه أساس السلطة ومصدرها، حيث يتنازل الأفراد عن جميع حقوقهم ورغباتهم لصالح المجتمع لإيجاد السلام والنظام الأمن.

إذن، عاملا الصحوة الدينية والسياسة الديمقراطية كانا سببين في بداية عصر نهضة جديد، بالإضافة إلى عامل الوطنية العابرة للأوطان، حيث أصبح المواطن ينصهر وسط الدول المجاورة له التي من نفس قارته أو إقليمه أو من نفس طينته، مثلاً أصبح المواطن الفرنسي أو الإسباني يحمل جنسية وطنية أوروبية لا فرنسية أو إسبانية؛ لأنه انصهر داخل بيئته الأوروبية، وهذا هو العامل الذي تفتقده الشعوب العربية؛ إذ نجد في البلد الواحد عدة تيارات وأيديولوجيات وأحزاب، كل منها يساهم في اتساع الهوة بين الشعب الواحد وليس الشعوب العربية، ولم نتوصل بعد إلى حل يجمعنا على راية واحدة كأبناء وطن واحد أو أبناء قارة واحدة.

ما يهمنا نحن، هو بداية هجرة الأوطان والشعوب نحو الحرية السياسية؛ أي شوق الشعوب في استرجاع ملكيتها بعد الانحطاط الذي عانته عقوداً من الزمن والذي جعل منها بلداناً ثالثية راكدة سياسياً وثقافياً وفكرياً واجتماعياً.

ثم محاولة استرجاع القرار السياسي في بلدانها بعد احتكار السياسة من طرف الحكام، أو كما يعتبرها الفيلسوف كارل ماركس احتكار من طرف الطبقة البرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج؛ لكونها لوبي ضاغطاً على الاقتصاد والسياسة معاً.

ويمكن اعتبار الربيع الديمقراطي أو الانتقال الديمقراطي محطة قديمة منذ ظهور الدولة والتنظيمات السياسية؛ إذ يناهز عمره 3 قرون، فقد كان الربيع الديمقراطي -وما زال- محطة لقطع الصلة مع أركان الطغيان والفساد واستئصال الورم من جذوره.

فقد حط الربيع الديمقراطي رحاله في أواخر القرن العشرين بأوروبا؛ ليخلصها من شراك الظلم ومظاهر الفساد السائدة من طرف الكنيسة أو من طرف الحكام والباباوات الأرثوذوكس والبروتستانت، وسرعان ما انتقلت العدوى لدول أميركا اللاتينية، لتخلصها هي الأخرى من شراك الأنظمة الفاشية ثم القضاء على الشيوعية وعلى الحزب الواحد؛ إيماناً بالتعددية الحزبية والمعارضة السياسية.

بعد كل هذه الأشواط التي قطعها الربيع الديمقراطي بين أوروبا وأميركا اللاتينية، وصلت بعض شراراته لدول إفريقيا، لينتصر زعيمها نيلسون مانديلا وليسقط نظام الأبرتياد في جنوب إفريقيا، ويصبح مانديلا زعيماً سياسياً وثورياً يحتذى به وبنضالاته.

وها هو الربيع الديمقراطي، بعد ولوجه إفريقيا حط رحاله ببيئتنا العربية المغاربية في القرن الحادي والعشرين، فمن جهة قد سعى الربيع الديمقراطي إلى إحياء سنة تاريخية واسترجاع مجموعة من القيم، كقيم العزة والكرامة والإنسانية، ومن جهة أخرى رغبة الشعوب العربية في الابتعاد عن القهر السياسي والاجتماعي، ومن جهة ثالثة ارتفاع نسبة الوعي وصحوة المثقفين واستنكار الطغيان السياسي وإحداث ثورة فكرية أولاً ثم سياسية ثانياً؛ بغية استرجاع قيمة مفقودة.

لكن هذه الصحوة وهذا التحول التحول لا يكتملان إلا بتغيير جذري في النفس أولاً؛ إيماناً منا بقوله تعالى: "إن الله لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، بحيث إن هناك ثلاث قوى تحكم الفرد؛ وهي: قوة العقل والشهوة والعزة، ولإنجاح الصحوة يجب تغليب قوة العزة على القوتين الأخريين؛ لكونهما لا تؤثران إلا بالسلب على المجتمعات؛ ولأن منطق العقل العربي السائد لا يحب الخروج على الحاكم والتفكير في أمر الثورة وتجنب الحديث عنها أو عن الحاكم المستبد؛ لأن في ذلك مسّاً بسيادة الدولة وكيانها، ونشراً للفتنة.

أما قوة الشهوة، فقد حددها بعض الدارسين في كونها حب الخضوع والانقياد للحاكم وحب الذل بدل الحرية، وكما قلت، يجب تغليب قوة العزة على هذه القوى؛ لكون العزة نابعة من الحرية وهي حالة مدهشة ورائعة تنبع من الإقدام والإدبار وقد عاشها التوتر في معظم أرجاء الوطن العربي، بدايةً من تونس، مروراً بمصر وليبيا والمغرب واليمن، وقد بلغ الإقدام حد الشهادة والتضحية بالنفس مقابل الآخرين وضمان حرياتهم وكرامتهم ورفع شعار "الموت لا المذلة"، هكذا تسلمت قوة العزة مفاتيح القيادة في الوطن العربي.

*المرجع المعتمد في البحث الأستاذ محمد طلابي

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد