أي وطني ليتك أحببت بقائي، ليتك أحببت حبي لحبك، ليت بقائي كان مثقال ذرة من خردل، لا تشعر بثقل في حملها، ولا معاناة في إشباع رغباتي، ليتك أحببتني كما أحببتك.
ربما لحدث بين قلبي وقلبك مزيج من أمل باستمرار إمكانية بقائي فيك، لو تباعد منكباك ليستوعب جسدي الذي بدأ يحترق حزناً عليك، أي وطني أكرهتني على فكرة الخروج منك، فكنت كلما فكرت فيها اشتقت إليك وأنا فيك، ولو رحلت لوجدتني أعود إليك بفؤادي، فلا شأن للجسد وإن كان موجوداً على أجمل بقاع الأرض، والفؤاد ما زال عالقاً في وطنه.
أي وطني أي شهيق البقاء وزفير المعافرة، رجوتك ألا تكره حبي وألا تكره بقائي، فكنت أول المغضوب عليهم، كيف لا تشعر بانتمائي إليك، كيف لا تشعر بأني منك وإليك يعود جذري، يا وطني هاجرت وأنا على الهجر مكروه، فإن بقيت فأنت على بقائي مكروه.
تطبيقاً للقاعدة التي تنص على أن "النقيضان لا يجتمعان"، فحبي للبقاء والعيش معك وفيك لم يجتمع مع كرهك وضجرك لبقائي، يا وطني لا أعيب عليك ما يخرج منك، فأنت سجين كما أنا سجين؛ والسجن هنا لا يعني سجن الجسد، بل هو سجن الروح والفكر.
ربما اعتنقت فحرّة الرحيل والهجر كنوع من أنواع الأخذ بالأسباب، ولكن حتمية الأخذ بالأسباب لا تعني بالضرورة حتمية النتيجة، فالأسباب تجري على الناس ولا تجري على رب الناس، وتيقن الإجابة من عند الله فكل شيء تحت قدره يجري.
رجوتك وما زلت أرجوك ألا تفرق بين اثنين: حبي في البقاء فيك وأملي في البقاء حياً طليقاً، فرأفة منك عليّ لا تكرهني على البقاء فيك تحت ترابك، وأجعل بقائي فيك على التراب، أعيش حر الفكر طليق الجسد، آثرت الرحيل على البقاء، وآثرت مرارة الاشتياق على لذة البقاء مرغماً.
يا وطني، إن كان في رحيلي عنك سلام، فسلام عليك لتعيش في سلام.
يا وطني، لو أنك تشعر بلهيب شوقي إليك، ربما لأصابتك مرارة العطف وشعور العجز باحتواء شوقي.
يا وطني، عجزت أناملي عن ضرب حروف، تصطف بجانب بعضها البعض فترسم لك مقدار ومدى شوقي إليك، فمقال الحال عجز عن وصف المقام.
أنا في صراع البقاء صامداً أمام مغريات الكارهين لك يا وطني، فهم يحاولون بقدر المستطاع استقطابي مقابل تقديم تنازلات عن ترابك.
يا وطني، إن كنت قد كرهت حبي للبقاء فيك والعيش بين كنفك، فأنا لن أبيع ذرة تراب منك مقابل جبل من المال والشهرة واصطناع العزة، أنا الذي لم ينَل من ودّك وكرمك نفحة، أنا الذي آثرت يا وطني عليه كل مَن يحمل هوية يختلف لونها عن لون هويتك.
أي وطني، لو أنك تقبلت اعتذاري عن سذاجتي، أي وطني، لو وسع صدرك طفولتي، لو شمل عفوك هرائي، أي وطني على أيّ كنت تنقب عن سيئاتي لتمحو بها حسناتي، أعترف بجسامة خطئي وتمنيت لو أعترف بسماحة عفوك، لو دريت بالهالة التي أصابت روحي ربما لانتابتك قشعريرة الرأفة عليّ، أي وطني أنا الضعيف أمام صراخك، أنا الضعيف أمام نظراتك، أنا الضعيف أمام مبسمك لو تبسم.
لي عندك رجاء، فأرجوك تقبل رجائي، يا وطني لا تعبث بكرامتي، فالأوطان لا تعبث بكرامة أبنائها إلا إذا كانت مغتصبة محتلة، فيا وطني إن لم تكن مغتصباً فحفظ كرامتي حق عليك كما حفظ ترابك حق عليّ، فرجاء لا تكن نرجسياً، لا تفرط في حقي فأفرط في حقك، وإن كنت مغتصباً محتلاً لاختلفت هنا مواضع الكلم، وموازن القياس وبدلت معايير التقييم.
أصبحت هنا حفظ كرامتك فرض عين عليّ، وإن كان ذلك يتقابل مع كبريائي، فحفظ ماء وجهي لا يحفظ إلا إذا أصبحت حراً تتنفس الصعداء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.