في الوقت الذي لم تُحقق فيه المقابلة التي أجراها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ليلة الأحد، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، هدفها بإزالة الغموض عن وضعه في السعودية، فإن الأزمة اللبنانية لا تزال تمهِّد لكارثة في الشرق الأوسط، وفقاً لما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وينقل كاتب التقرير في الصحيفة الأميركية عن أحد زملائه القول: "أصرَّ الحريري، الذي بدا أنه كان يشعر بالإنهاك والانفعال الشديدين خلال حوار الأحد، أنه تصرَّف بمحض إرادته، وأنه ليس محتجزاً بالمملكة العربية السعودية".
ومع ذلك، ذكر مسؤولو الحزب السُّني للصحفيين، أنهم يعتقدون أن الحريري، الذي يحظى برعاية المملكة منذ وقت طويل، قد أُجبر على الاستقالة.
ووفقاً للصحيفة الأميركية فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يكن راضياً عن اتفاقية تقاسم السلطة، التي أبرمها الحريري مع عدد من الفصائل اللبنانية، ومن بينها حزب الله الشيعي الذي تدعمه إيران، المنافس الرئيسي للمملكة. وقد ركز خطاب استقالة الحريري على الخطر المتزايد الذي يمثله حزب الله، وبالتالي إيران.
وتتابع الصحيفة القول، وفقاً لما وصفته إحدى الروايات بأن الحريري تلقَّى تلك التعليمات، بعد استضافة أحد كبار مسؤولي السياسة الخارجية الإيرانية، وهو علي أكبر ولايتي، في بيروت. وكتب روبن رايت، الصحفي بجريدة New Yorker "تم استدعاؤه إلى المملكة العربية السعودية وإجباره على الاستقالة، بحسب ما أوردته مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى". وأضاف: "تم إملاء لغة الخطاب عليه، ومنعه من العودة إلى بيروت، وحظر الاتصالات معه. وذكرت وكالة رويترز أنه تمت مصادرة هاتفه الخلوي"، وهو الأمر الذي أكدته أيضاً صحيفة الأخبار اللبنانية.
تقول واشنطن بوست: "حينما تتواجد وسط مواجهة حاسمة، يمكنك أن تصفح عن معظم اللبنانيين لمحاولتهم التوصل إلى سبل تسوية الخلافات. تدخل النزاعات الطاحنة في سوريا والعراق مرحلة جديدة. ففي كلتا الحالتين، تبرز القوى التي تدعمها إيران. فقد نشر حزب الله عشرات الآلاف من المقاتلين، سعياً وراء الدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وإذا ما تمكنت الميليشيات الموالية للأسد في النهاية من السيطرة على معبر البوكمال الحدودي الرئيسي بين سوريا والعراق، فسوف تحظى الأيديولوجيات في طهران بنفوذ استراتيجي طال انتظاره، يمتد من إيران إلى البحر المتوسط".
وتتابع: "يؤدي كل ذلك إلى غضب السلطات السعودية والإسرائيلية التي خاضت العديد من الحروب ضد حزب الله. ويشير المحللون إلى السيناريو المحتمل الذي يمكن أن يشهد فرض عقوبات اقتصادية سعودية على لبنان، وربما يؤدي إلى ضربات إسرائيلية عقابية ضد مواقع حزب الله، رغم استبعاد توجيه مثل تلك الضربات".
وذكر بول سالم، من معهد الشرق الأوسط خلال مؤتمر هاتفي نظمه مركز ويلسون في واشنطن: "إننا في لحظة حاسمة.. لقد وطَّدت إيران سيطرتها على الشام"، بينما لم تلعب الدول الإسلامية السُّنية الكبرى بالمنطقة، مثل مصر وتركيا، أيّ دور في ذلك الصراع، جراء الاضطرابات السياسية التي تعاني منها داخلياً.
وقال سالم: "إننا نعيش في شرق أوسط جديد، حيث سنرى سلسلة من المواجهات والحروب".
وذكر ثاناسيس كمبانيس في صحيفة Atlantic: "استقالته لن تؤدي إلى الإطاحة بسلطة حزب الله. بل سيصب ذلك الفراغ السياسي في صالح حزب الله، الذي لا يريد لدولة لبنان أن تدعم سيادتها ومشروعيتها". ويستطرد كمبانيس قائلاً: "دعمت المملكة العربية السعودية، التي لا تستطيع شن حرب فعلية، حملة تدعم فكرة أن الحرب ممكنة دائماً. ورغم أن الحرب بين المملكة وإيران لن تعيد ميزان القوى إلى المملكة، فإنها سوف تقضي على الكثيرين في جزء من العالم يصل به أعداد النازحين إلى الملايين، وأعداد القتلى إلى مئات الآلاف، بينما تنتشر الأوبئة والأمراض الناجمة عن سوء التغذية على نطاق واسع. وسوف تشن الرياض نتيجة ذلك حرباً بالوكالة".
تشعر السلطات السعودية بالانزعاج الشديد من الدعم الإيراني ودعم حزب الله للمتمردين الحوثيين باليمن، ولكن حربها باهظة التكلفة هناك، قد تحولت إلى مستنقع من الأزمات وفقاً للصحيفة الأميركية.
وأضافت: "ومع ذلك، يزيد سلمان من اعتداءاته ضد اليمن، ويمارس المزيد من الضغوط والعقوبات ضد قطر، دون ظهور أي ملامح للتسوية في الأفق".
أما عن الموقف الأميركي، فترى الصحيفة أنه بالرغم من حدة البيانات الصادرة عن البيت الأبيض، والمناهضة لإيران، إلا أنه من غير المحتمل أن ترحب الولايات المتحدة بمثل هذه المواجهة.
ويبدو أن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية أكثر اهتماماً بدعم الحكومة الصديقة بالعراق من انتقاد إيران حول ما تفعله في لبنان. ومع ذلك، فإن مدى التشكك والافتقار إلى المساعي الدبلوماسية بين الأطراف الرئيسية بالمنطقة تثير المزيد من المخاطر.
وقال باسل سالوخ، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية ببيروت "ستتضمن أي إجراءات يتم اتخاذها مساومة سياسية جغرافية كبرى مع الأطراف الرئيسية. ولكن المناخ السياسي غير ملائم لذلك النوع من المساومات".
ويقول مضيفاً إن "لبنان مطالبٌ بحمل ثقل لا يستطيع تحمله ببساطة".