كثيراً ما تبدأ العلاقات الحميمية بإرادة الطرفين للتعارف من أجل مقصد بريء، وأهداف نبيلة ألا وهو تكوين أسرة بعد الزواج.
وحجة اللاجئين لمثل هذه العلاقات أنهم غير مستعدين للزواج من مجهول، وأنهم يريدون بهذه العلاقة اختيار شريك الحياة، فيجب أن يتعارفوا جيداً قبل الإقدام على الرسميات، وأنهم ضد الطريقة التقليدية للزواج.
لذا يعيشان في ظل علاقة غير رسمية، فيختار شاب فتاة تعجبه من حيث مظهرها الخارجي مثلاً؛ لكي يتعرف على الجزء الداخلي كطريقة تفكيرها، ومستواها الثقافي، وقد تختار الفتاة شخصاً للتعرف عليه من أجل هذا المقصد أيضاً.
وتبدأ قصتهما بالكلام الجميل، والمتضمن عبارات الاستحسان والتجميل، وكلما طالت هذه العلاقة، زادت الرابطة بينهما، وكلما توطدت فيزيد تعلقهما ببعضهما البعض، أو تعلق أحدهما بالآخر من أجل صفات كان يريدها في شريك الحياة المستقبلي، وبهذا تكبر علاقتهما لتصبح ما يسمى بالحب.
لكن يجدر التفكير أولاً في هذا النوع من العلاقات وتحليلها:
1- ما دام الهدف من صناعة هذه العلاقة نبيلاً، والهدف منها هو التعرف على شريك الحياة، فلماذا يتم اختيار سلوك طريق العلاقة الحميمية دون التفكير في الطريقة الرسمية للتعرف، وهي الخطوبة، أي التقدم لطلب يد هذه الفتاة والتعرف عليها بطرق سليمة دون تجاوز الحدود، ثم اتخاذ القرار الملائم إما الزواج أو الفسخ والابتعاد عن الطريق، فهذه الطريقة الرسمية أسلم للطرفين، وخاصة للفتاة.
2- ما دام الكثير من الشباب يدعي أنه يريد الخير بعلاقته فلماذا يبخل بأخته عن فعل هذا الخير؟ إلا إن كان يعرف جيداً معنى العلاقات الحميمية وما تؤدي له، فهو يحرم أخته ولا يؤيد مشاهدتها رفقة شاب في الطريق العمومي؛ لأنه يعرف جيداً أن هذا غير لائق ولا يصلح فحبه لأخته يمنع كيانه من السماح لمثل الأمور أن تحدث.
أليس هذا تناقض في أفكار هذا الشاب؟ هل زوجته المستقبلية أقل أهمية من أخته؟
الجواب هو أن تفكير الشاب في هذه المرحلة هو تفكير أناني يجعل منه يفكر في مصالحه المستقبلية في اتخاذ قرار الخوض في علاقة غير مضمونة مع فتاة تعجبه، فإن تمت هذه العلاقة بشكل جيد فلا بأس، وإن لم تتم فلن يخسر أي شيء في مجتمعه وعائلته.
3- ألا تسأل الفتاة نفسها قائلة: لماذا يمنعني أهلي من الخوض في هذه العلاقات؟ فمن المعروف أن الوالدين يريدان أن يريا أبناءهما في أعلى المنازل، ويتمنيان لهم الأفضل، والنجاح دوما أحسن منهما.
أرى أن الكثير من الفتيات يرين في هذا المنع هو تسلط العائلة عليها، وأن عائلتها ما زالت تفكر بطريقة تقليدية، كما أنها تعتبر الشاب الذي تقدم لها مختلفاً عن الشباب الآخرين، وترى فيه فارس الأحلام الذي يوجد في القصص الخيالية والأفلام، ومن أكبر أسباب ذلك هو ضعف الحوار العائلي في مجتمعاتنا، فسياسة التخويف والترهيب داخل العائلة بدل الإقناع بالأساليب العلمية والحضارية، والحوار المبني على تقديم الأدلة من الواقع المعاش تضعف الرابطة بين الأولياء والأبناء.
سيود الكثير القول إنه لا حرج في العلاقة ما دامت النية حسنة، ولكن النية الحسنة لا تبرر الوسيلة السيئة للوصول إلى المبتغى الجيد، فما بُني على باطل سيؤدي إلى الباطل منطقياً.
وسيتساءل الكثير عن البديل عن هذه العلاقات، بالرغم من أن البديل موجود ومعروف.
فتقدم الشاب لخطبة الفتاة ومواجهة الولي الشرعي لها، بعد إقناع أسرته أهم خطوة قبل تقديم وعد لفتاة والعيش في ظل علاقة طويلة ثم يتفاجأ مثلاً برفض العائلة للفتاة أو عائلتها، فقد وقع هذا المشكل في الكثير من الأوقات، ويستطيع الطرفان التعارف وتحقيق هدف هذه العلاقة في فترة الخطوبة الرسمية، ويكونان قد حافظا على القيم الأخلاقية لهما ولعائلتهما، وتكون نية التعارف من أجل الزواج أمراً معلناً من دون أي حرج لكلتا العائلتين، والمجتمع الذي يعيشان فيه.
حيث توصل د. إسماعيل عبد الباري، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الزقازيق بمصر، في دراسته التي كانت تحت عنوان: "أسس الفشل والنجاح في العلاقات الزوجية" إلى أن حوالي 75 بالمائة من حالات الزواج بعد علاقات الحب تنتهي بالانفصال بعد الزواج والفشل بعد الزواج، كما أن أغلبية العلاقات أصلاً تنتهي بالفشل ولا يكتب لها الزواج أصلاً.
وبما أن هذه الظاهرة شائعة في المجتمعات العربية والمسلمة يجب التحدث عن أهم الأسباب التي تدفع الشباب لاختيار هذه الطريقة من أجل الزواج:
– عدم انتشار الوعي عن مستقبل هذه العلاقات وتحليلها وفهم مصيرها.
– عدم توافر عنصر الحب في العائلة، مما يدفع الشباب للبحث عنه خارج العائلة.
– عدم إفهام وتوعية الشباب من طرف الأهل بأهمية الأصول والقيم الأخلاقية، وسبب تحريم العلاقات الحميمية في الإسلام.
– التأثر بمعتقدات الغرب من خلال المسلسلات والأفلام.
– العادات والتقاليد الخاطئة في المجتمعات العربية والإسلامية المنتشرة من غلاء فاحش للمهور، وعدم قبول الزواج ممن لا تتوفر فيه تعجيزية تطلبها بعض العائلات للفتيات مما يجعل الفتاة تلجأ للطرق غير المشروعة من أجل الزواج.
– لجوء الكثير من الشباب لمثل هذه العلاقات من أجل المقارنة بين الفتيات أو المقارنة بين الرجال؛ لأنه كثيراً ما تستغل هذه العلاقات غير الرسمية للتعرف على أكثر من فتاة أو أكثر من شاب من أجل المقارنة.
– الإغراءات والوعود الكاذبة التي يرسمها بعض الشباب للإيقاع بالفتيات.
– كون المجتمعات العربية ذكورية تنظر إلى هذا الموضوع بنظرة ظالمة للمرأة؛ حيث يلومها المجتمع على الخوض في مثل هذه العلاقات دون لوم الطرف الثاني الرجل، بالرغم من أن العلاقة لا تنشأ من طرف شخص واحد.
– صعوبة الزواج، والبطالة، وظروف العيش في الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية، مما يجعل الشاب يبحث عن طرق أخرى بديلة من أجل الزواج بأقل تكلفة.
– التقليد الأعمى للغرب، والتأثر بالثقافة الغربية، رغم أن المجتمعات الغربية مجتمعات يكثر فيها التشتت الأسري، والأمهات العازبات بسبب العلاقات العابرة.
ومن أسباب عدم نجاح العلاقات العاطفية قبل الزواج:
– تغير الأدوار والمسؤوليات بعد الزواج، مما يؤدي إلى تغيير المعاملة بين الزوجين، مما يؤدي إلى التفكير في أن هذا الشريك قد تغير في حبه لشريك حياته، مما يخلق الوساوس.
– اكتشاف أشياء جديدة لم تكن في الحسبان قبل الزواج، ففي العلاقات يتغنى كل طرف بمحاسنه، ولا يحب أن يرى المساوئ ولا يدرسها جيداً، كما تتم في غالب الأحيان محاولة إخفائها عن الطرف الآخر.
– كثرة الوساوس حول احتمالية الخيانة الزوجية والخوف من خوض الشريك في علاقة أخرى ما دام قد خاضها من قبل.
– كما أنه في الكثير من الأحيان تأتي ظروف قاهرة تفرق شمل هؤلاء العشاق فقد يرفض أهل الرجل الفتاة التي أحبها، أو يرفض أهل الفتاة هذا الشاب الذي تحبه، فتضيع كل أعوام التعارف سُدى، أو يسافر الشاب من أجل فرصة لصناعة مستقبله، أو تسافر الفتاة، أو تتزوج رغماً عنها بعد خطبتها من طرف شخص آخر يرى فيه أهلها صفات الزوج المناسب، وعدم مقدرة الشاب على التقدم للزواج، وغير ذلك من الظروف، فيدخل الشباب في دوامة من المشاكل النفسية.
– غياب الحوار داخل الأسرة، فكثيراً ما نجد الأولياء لا يتحاورون مع أبنائهم، ولا يهتمون لأفعالهم، ويوجد من الأولياء من يجد في هذا الموضوع أنه خط أحمر لا يجب التحدث فيه، كما يوجد منهم من يتحدث فيه مع الفتاة فقط، وعدم لوم الشاب على الخوض في هذه العلاقات، كما يوجد من الأولياء من يشجع أولادهم على الخوض في هذه العلاقات، ويرى فيها صورة للتطور دون أن يعي أنه يحث ابنه أو ابنته نحو الخطر.
ختاماً أتقدم بنصيحة للشباب العربي المسلم بأن يدخل البيوت من أبوابها، فلكل مشكل حلوله، وعليه التفكير في تكوين أسرة ناجحة مبنية على أسس سليمة قبل التفكير في صناعة قصة للحب والغرام.
ولمحاربة هذه الظواهر يجب العمل الدائم على التوعية بخطورتها، كما يجب أن يعتبر الناس من تجارب غيرهم، فمجتمعنا مليء بمثل هذه التجارب، فيوجد الكثير ممن فشل فيها، ويوجد مَن نجح، ولكن العبرة في نسبة النجاح أنها قليلة؛ لذا فمن الأفضل تأسيس الصحيح على الأسس الصحيحة، فما بُني على أسس باطلة سيكون سهل الهدم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.