شكك الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك في أن تكون استقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، قد أُعد لها سابقاً، مشيراً إلى أنه قبل ذهابه للسعودية كان يُخطط لعقد لقاءات مع شخصيات دولية.
ونشر فيسك في جريدة الإندبندنت البريطانية مقالاً بعنوان: "استقالة سعد الحريري من رئاسة الوزارة اللبنانية ليست كما تبدو"، وأشار فيه إلى أن الحريري قبل توجهه للرياض، كان قد خطط لعدة مقابلات مع مسؤولين في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، علاوة على عدة اجتماعات بخصوص تحسين جودة مياه الشرب في البلاد، بحسب ما نقله موقع "بي بي سي"، الجمعة 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
واعتبر فيسك أن وجود هذه اللقاءات على أجندة الحريري، لا يشير إلى أنه كان راغباً أو مخططاً لإعلان الاستقالة خلال أيام.
الكاتب البريطاني ذكر أيضاً بعض التفاصيل عما حدث مع الحريري عقب وصوله إلى السعودية، وقال إنه "عندما حطت طائرة الحريري في الرياض، كان أول ما شاهده عدد كبير من رجال الشرطة يحيطون بالطائرة، وعندما صعدوا على متنها كان أول ما فعلوه مصادرة هاتفه الجوال، وجميع أجهزة الاتصال التي بحوزة حرسه ومرافقيه، وهكذا تم إسكات الحريري"، حسبما قال فيسك.
لقاء الملك
وذكر السبب الذي دفع الحريري للسفر إلى السعودية، وقال إن الحريري تلقى اتصالاً هاتفياً من الرياض لدعوته بشكل عاجل للقاء الملك سلمان، وأضاف: "وحيث إن سعد الحريري كوالده الراحل رفيق الحريري يحمل الجنسية السعودية إضافة للجنسية اللبنانية، فقد انطلق الرجل فوراً نحو الرياض؛ فلا يمكنك أن ترفض طلب الملك لقاءك حتى لو كنت قد التقيته منذ أيام فقط".
ويختم فيسك مقاله بالإشارة إلى أن عائلة سعد الحريري بكاملها في الرياض حالياً، وقال: "لو أن الرجل عاد إلى بيروت فسيكون قد ترك زوجته وأبناءه رهائن في الرياض؛ لذلك فبعد أسبوع من هذه المسرحية الهزلية هناك مطالبات في بيروت بتولي شقيقه الأكبر بهاء الحريري منصب رئاسة الوزراء في لبنان"، وفق قوله.
وكانت صحيفة "الأخبار" اللبنانية نشرت تقريراً كشفت فيه من خلال مصادرها عن اللحظات الأولى لوصول الحريري للسعودية، وما جرى معه قبل تقديم الاستقالة وبعدها.
وقالت إنه طُلب من الحريري التوجه إلى مجمع "ريتز-كارلتون" الفندقي لعقد اجتماعات، حيث فوجئ بإجراءات أمنية استثنائية، ليدرك بعد دقائق أنه بات بحكم الموقوف. وتم نقله إلى إحدى الفيلات التابعة للمجمع، بالقرب من الفندق، مكان احتجاز نحو 49 أميراً ووزيراً ورجل أعمال سعوديين.
وأكدت الصحيفة أن الحريري تم فصله عن مكان إقامة عائلته، وتولى فريق أمني سعودي الإشراف على أمنه ومرافقته.
"استقالة مكتوبة"
وذكرت الصحيفة رواية مشابهة لما ذكره فيسك، حيث قالت إنه تمت مصادرة الهواتف الجوالة للفريق الأمني المرافق للحريري، وتم تخييرهم إن كانوا يريدون المغادرة إلى بيروت، وأنه في هذه الحالة لن يكون بمقدور من يغادر المجمع أن يعود إليه مجدداً.
وتضيف الصحيفة أن الحريري طلب أن ينتقل 4 من مرافقيه بقيادة الضابط محمد دياب إلى منزله؛ للبقاء مع زوجته وأولاده، فيما بقي مع الحريري، في الفيلا نفسها، رئيس حرسه عبد العرب وأحد مساعديه الشخصيين.
وتتابع الصحيفة اللبناني، أن الحريري أُبلغ بعد ذلك أنه سيخضع لتحقيق بصفة شاهد، بوصفه مواطناً سعودياً لا رئيساً لحكومة لبنان. وسُئل عن ملفات تعود إلى حقبة تولي خالد التويجري منصب رئيس الديوان الملكي، خلال ولاية الملك الراحل عبد الله.
وعن تفاصيل الاستقالة، قالت الصحيفة إن الحريري التقى مسؤولاً أمنياً سعودياً بارزاً -لم تُسمه- إضافة إلى لقاء آخر مع ثامر السبهان، وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، الذي سلَّمه بيان الاستقالة مكتوباً من الديوان الملكي.
ويتجه لبنان إلى تشكيل ضغط على المملكة العربية السعودية لكشف مصير الحريري، والسماح له بالعودة إلى لبنان، وفق ما ذكره مسؤول لبناني كبير في الحكومة لوكالة رويترز، الخميس 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وقال المسؤول إن لبنان يعتقد أن السعودية تحتجز رئيس وزرائه سعد الحريري، مضيفاً أن بلاده تتجه لدعوة دول عربية وأجنبية للضغط على الرياض لإعادته، فيما تنفي المملكة أن يكون محتجزاً لديها.
وكانت وسائل إعلام سعودية قد ذكرت أن الحريري سافر بعد استقالته إلى البحرين والإمارات، لكن المسؤولين اللبنانيين يشككون في أن يكون الحريري حراً في تحركاته.
ويوم الجمعة 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، غادر الحريري، لبنان متوجهاً إلى السعودية، عقب اجتماعه مع مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، في العاصمة بيروت.
وفي اليوم التالي (السبت)، أعلن الحريري استقالته من منصبه، عبر خطاب متلفز من السعودية، مرجعاً قراره إلى "مساعي إيران لخطف لبنان وفرض الوصاية عليه، بعد تمكن حزب الله، من فرض أمر واقع بقوة سلاحه".
وتسري في لبنان شائعات كثيرة منذ ذلك الحين، لا سيما أن استقالة رئيس الوزراء ترافقت مع حملة توقيفات في السعودية شملت شخصيات سعودية وأمراء من العائلة الحاكمة.