ينقسم الشعب اللبناني ما بين متخوف من تداعيات استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، التي تقدم بها خلال وجوده في المملكة العربية السعودية قبل أكثر من أسبوع، وبين من يرى أن ما يحصل لا يعدو كونه محاولات لتخويف اللبنانيين وممارسة ضغوطات سياسية عليهم لتحقيق مكاسب أو دفعهم لتقديم تنازلات.
هذا الانقسام في الشارع اللبناني كما عند السياسيين، تزامن مع رفع الأجهزة الأمنية من إجراءاتها في المدن الرئيسية وحول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، خشية أية تطورات ميدانية.
تأهب غير مسبوق
تشهد معظم المناطق في لبنان انتشاراً للجيش اللبناني والقوى الأمنية، على نحو غير مسبوق، حيث أكد مصدر أمني لـ"هاف بوست" أن هذه الإجراءات تندرج في إطار مخاوف من إمكانية استغلال بعض المجموعات الإرهابية أو غيرها للوضع السياسي المتأزم والقيام بأعمال مخلة بالأمن.
وتضيف المصادر أن الإجراءات تشمل أيضاً مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، لا سيما مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، حيث "تتواجد مجموعات إرهابية تابعة لجبهة النصرة وتنظيم داعش، فضلاً عن مخيمات النازحين السوريين خشية وجود خلايا نائمة أو دخول أطراف لاستغلاله ".
وكانت الفصائل الفلسطينية عقدت اجتماعاً أكدت فيه على النأي بالمخيمات عما يجري على الساحة اللبنانية، ورفض تحويل المخيمات إلى ساحة لاستهداف الجوار اللبناني.
مخاوف المواطنين
لكن هذه الإجراءات لم تبدد مخاوف شريحة كبيرة من اللبنانيين الذين يخشون من حرب تحضر لبلدهم على وقع استمرار التهديدات على لسان مسؤولين سعوديين وغربيين، فضلاً عن الانقسام السياسي الحاد بين الفرقاء المختلفين في لبنان وتترجمه تصريحات وبيانات تزيد من حدة المخاوف.
ويقول محمد ديب (45 عاماً) "أنا أملك متجراً لبيع الألبسة وكنت بصدد استيراد بضائع من تركيا منتصف الشهر الحالي، لكني اتصلت بالوكيل وطلبت وقف الصفقة، خوفاً من حصول حرب يجري الحديث عنها".
وأضاف وهو واقف أمام متجره "منذ استقالة الرئيس الحريري تراجع عدد الزبائن بنسبة 80 في المئة، علماً أننا على أبواب فصل جديد وغالباً ما تكون فيه الحركة عندنا نشطة من قبل الزبائن لشراء ألبسة فصل الشتاء".
ويتابع "الناس يخافون من فتنة بين المكونات الطائفية في لبنان أو عدوان إسرائيلي أو حتى حرب تقودها السعودية ضد حزب الله، وكثير من أصحاب الدخل المتوسط يفضلون توفير أموالهم للقادم من الأيام، وهذا بدأ ينعكس سلباً على حركة البيع والشراء".
ضغوط جديدة؟
ويشهد لبنان انقساماً حاداً بين مؤيد لاستقالة الرئيس الحريري وبين رافض لها، ويتجسد ذلك في مناطق انتشار مناصري الرئيس الحريري، حيث ترفع صوره ولافتات مؤيدة له، فضلاً عن صور الملك السعودي وولي العهد محمد بن سلمان.
لكن هناك قسم من اللبنانيين يعتبر أن إشاعة أجواء الخوف تقف خلفها وسائل إعلام وجهات سياسية موالية للسعودية والرئيس الحريري، ويقول حسن الأحمد (56 عاماً) "هذه ليست المرة الأولى التي تطلب فيها السعودية ودول خليجية من رعاياهم مغادرة لبنان وعدم التوجه إليه، وهي أيضاً ليست المرة الأولى التي نتعرض فيها لضغوطات سياسية وتهديدات وحتى حروب، لذلك فإننا سنواصل حياتنا على طبيعتها ولن نتأثر أبداً".
ويضيف "حتماً الوضع الاقتصادي سيتأثر، ولكننا سنكمل حياتنا ولن نستسلم لكل محاولات الضغط من أجل إجبارنا على تقديم تنازلات".
ويختم "أنا أعمل في معرض لبيع السيارات، وفي فصل الصيف نعتمد على الزبائن القادمين من الخليج، وفي حال بقي الوضع هكذا، فإنهم قد لا يأتون مما يكلف المعرض أموالاً، ولكننا لا نخاف من تهويلات الحرب، فنحن تعودنا عليها وواجهنا حروباً كثيرة وصمدنا".