"جاسوس محتمل"، هكذا ينظر كثير من المصريين لأي أجنبي وأحياناً حتى مواطن يستخدم بكثافةٍ هاتفاً محمولاً حديثاً، خاصة إذا كان للتصوير.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية رصدت كيف يتعامل صحفيوها مع التكنولوجيا في وظائفهم وحياتهم الشخصية؟
وعرض تقرير للصحيفة تجربة ديكلان والش، رئيس مكتبها في العاصمة المصرية القاهرة، مع التكنولوجيا التي يستخدمها في مواجهة الأوضاع السياسية بالبلاد والمواقف التي يتعرض لها في ظل الشكوك التي تحيط بأي صحفي أجنبي.
ما هي الوسيلة التكنولوجية الأهم بالنسبة لك لتأدية عملك كمراسلٍ للصحيفة في مصر؟
يتمحور عملي حول هاتف آيفون مخدوش بشاشةٍ مشروخة. وحين بدأت عملي مراسلاً أجنبياً قبل 18 عاماً، في كينيا، كنت أحمل حقيبةً صغيرةً تتضمَّن جهاز تسجيل، وكاميرا، ودفتر عناوين، وخريطة، وربما مذياع موجاتٍ قصيرة. واليوم، تقلَّص كل ذلك إلى لوحٍ أسود رقيق في جيبي.
إذ سجَّلت به مقابلةً شخصيةً مع زعيم حماس، وصوَّرت به مقاطع فيديو وصوراً في أثناء تجوُّلي في أنحاء سوريا. وساعدني على التنقُّل في أزقة القاهرة، ثم استدعاء سيارة أجرة لتُقِلَّني إلى المنزل. ومع ذلك، لم يحل محل القلم والورق، مع أنَّ كومة دفاتر الملاحظات على مكتبي تتقلَّص تدريجياً. وصحيحٌ أنني أكتب على جهاز ماك بوك أير تبلغ مساحته 13 بوصة وفّرته لي صحيفة نيويورك تايمز، أسرع مما أكتب بيدي. ولكنني أدركت أنَّ هذه ليست ميزة دائماً، فالكتابة بالورقة والقلم بطيئة وفوضوية، ولكنَّ تدوين ملاحظات المقابلات الشخصية باليد يجعلك تُصغي بعناية أكبر، وتُحرِّر ملاحظاتك في أثناء تدوينها.
كيف تتجنب المراقبة؟
وتتمثل الفائدة الرئيسية الأخرى في إجراء اتصالات آمنة. ففي ظل وجود عددٍ هائلٍ من المصريين في السجن، وتعرُّض الكثيرين غيرهم لخطر الاعتقال، صارت التطبيقات المُشفَّرة، مثل واتساب وسيجنال، أدوات لا غنى عنها. وجديرٌ بالذكر أنَّ الشرطة المصرية اعتقلت عشرات من المثليين مؤخراً، ولذلك، حين اتصلتُ بأحد الناشطين لإجراء مقابلة شخصية، تواصلت معه عبر تطبيقٍ مُشفَّر. ولو كنت اتصلت به عبر خطٍ عادي، كان سيُغلِق الهاتف. وبصرف النظر عن ذلك، تتميَّز الخطوط الرقمية بجودةٍ أفضل.
ويحل تطبيق سلاك محل البريد الإلكتروني كوسيلة لتواصُل مراسلي صحيفة نيويورك تايمز مع محرريها، ولا سيما مع انتشار عملنا في جميع أنحاء العالم. فقد نعمل مع محررين بلندن أو نيويورك أو هونغ كونغ على حسب الخبر والوقت.
وما لا يقل أهميةً عن ذلك، هو أن تعرف متى ينبغي التخلِّي عن هذه الوسائل التكنولوجية كلها. ففي المناطق الأكثر جنوناً بالشرق الأوسط، ليس من الجيد إبراز حاسوب محمول متوهج.
ما مدى جودة الاتصال في القاهرة والمناطق التي تسافر إليها لأداء مهمةٍ معينة؟
قد يكون الإنترنت بطيئاً كالسلحفاة في مصر، إلى درجةِ أنني أصرخ بطريقةٍ مثيرة للسخرية في وجه موعد التسليم النهائي على الشاشة.
ففي عام 2016، احتلت مصر المرتبة الـ146 من بين 150 دولةٍ من ناحية سرعات تحميل النطاق الواسع الثابت، وفقاً لموقع سبيد تست الأميركي.
ولم تحتل دولةٌ من شمال إفريقيا مرتبةً متأخرة عن مصر سوى ليبيا التي مزَّقتها الحرب. ومن المفاجئ أنَّ إحدى حزم أسلاك البيانات الرئيسة، التي تربط بين مئات الملايين من المستخدمين، تمر عبر قريةٍ مصرية خاملةٍ واحدة. وتكمن المشكلة في نقص الاستثمارات في البنية التحتية للاتصالات على المستوى المحلي منذ ثورات الربيع العربي التي نشبت في عام 2011 والاحتكارات الحكومية الخانقة.
ولكننا نتعامل مع هذه المشكلة باستخدام دواخل "يو إس بي" متصلة بشبكة هاتف محمول من الجيل الرابع، وهي أفضل، إن لم تكن مثالية.
وفي مناطق النزاعات مثل ليبيا، حيث كنت أغطي هجوماً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العام الماضي (2016)، استخدمت محطة بيانات فضائية متصلة بقمر اصطناعي للشبكة العالمية للنطاق الواسع، وهاتفاً متصلاً بالقمر الاصطناعي لشركة الثريا.
ولكن على نحوٍ متزايد، هناك على الأقل تغطية للهاتف المحمول، وإن كانت ضعيفة، حتى في المناطق الأخطر، كما حدث في أثناء معركة مدينة حلب السورية العام الماضي 2016. ويوفِّر ذلك فوريةً في نقل الحدث إلى حدٍ قاسٍ في بعض الأحيان: فعلى سبيل المثال، لك أن تتخيل أنكَّ تستطيع التواصل مع والدتك بالصوت والصورة عبر تطبيق فيس تايم وأنت في جبهة المعركة. ولكنَّ ذلك صار عادياً الآن، فالتكنولوجيا تفرض قيوداً أقل على الخيارات المتاحة مما يفرضها الصواب والخطأ.
علاقة غريبة تربط المصريين بهواتفهم الذكية؟
يعشق المصريون هواتفهم الذكية؛ إذ يضعون أجربةً مجنونة المظهر، ومجموعة من النغمات الحزينة، أو آيات قرآنية بالنسبة للمحافظين، أو نغمات البوب الميلودرامية. وتحظى أغنية Hello للمطرب الأميركي ليونيل ريتشي وجميع أغنيات سيلين ديون بشعبيةٍ كبيرة.
أما الوجه الآخر للهوس بالهواتف الذكية، فيتمثل في أنها تُثير كذلك شكوكاً عميقةً وسط رجال الشرطة وبعض المواطنين العاديين، المشهورين هنا باسم "المواطنين الشرفاء". وأعرف أشخاصاً تعرَّضوا للتهديد بالاعتقال بسبب التقاط صورةٍ لقناة السويس (أحد أشهر معالم مصر بعد الأهرام). وكانت إحدى صديقاتي قد تلقَّت تحذيراً من "أحد المواطنين الشرفاء"؛ لمحاولتها التقاط صورة لنهر النيل بهاتفها؛ إذ اتهمها بالجاسوسية!
ما هي التطبيقات والبرامج المُفضَّلة في مصر؟ هل يستخدم الناس فيسبوك وجوجل وأوبر؟
مصر لديها أكبر عددٍ من مستخدمي موقع فيسبوك في العالم العربي؛ إذ يُمثِّل جزءاً كبيراً من حياة الناس، بينما تشهد الساحة العامة تقلُّصاً بالغاً.
فمنذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السُلطة في عام 2013، حُظِرت الاحتجاجات، وخضعت وسائل الإعلام الإخبارية خضوعاً تاماً للحكومة. ولذلك يلجأ الناس إلى شبكات التواصل الاجتماعي؛ للتحدث عن السياسة، والسخرية من قادتهم، والبحث عن أخبارٍ مستقلة.
وإذا زلَّ لسان السيسي على التلفزيون، فستنتشر -بلا شك- موجةٌ من الصور والتعليقات الساخرة عبر فيسبوك في غضون ساعات.
وعلى سبيل المثال، يمكن أن تكون هذه التعليقات الساخرة دعاباتٍ، مُضحكة أو سوداء أو كلتيهما، عن سجل البلاد البائس في حقوق الإنسان.
الأمر ليس متعلِّقاً بالتطبيقات الغربية فقط. فـ"أنغامي" هو النسخة العربية من "سبوتيفي"، كما أنَّ "سوق دوت كوم" هو متجر إلكتروني ضخم (وقد اشتراه موقع أمازون هذا العام 2017)، وهناك مجموعةٌ من التطبيقات التي تخبر المسلمين بمواقيت الصلاة، وتطبيقات أخرى تساعدهم على قراءة القرآن.
وفي شوارع القاهرة تنتشر تطبيقات سيارات الأجرة "أوبر" و"كريم"، التي تُركِّز على الشرق الأوسط، ليكتسبوا شعبيةً كبيرة. ونتيجة لذلك، أصبحت سيارات الأجرة زهيدة الثمن؛ إذ إنَّ بضعة دولارات تمكِّنك من عبور المدينة.
كيف تتعامل الحكومة المصرية مع التكنولوجيا مثل شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الغربية؟
بحذرٍ وعدائية.
يراقب المسؤولون المصريون مواقع فيسبوك وتويتر وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي من كثب؛ إذ إنَّ تعليقاً غير ملائمٍ يمكن أن يتسبَّب لصاحبه في المثول أمام المحكمة أو الزجِّ به في السجن.
فهناك مُجنَّدٌ شابٌ في الجيش يقضي حكماً بالسجن لمدة 3 سنوات؛ بسبب نشره صورة للرئيس السيسي وفوق رأسه أذنا ميكي ماوس. وقد حظرت الحكومة منذ مايو/أيار، أكثر من 400 موقع، بما في ذلك "هيومان رايتس ووتش"، وموقع الأخبار المصري "مدى مصر".
ومن المثير للدهشة أن موقع "ميديام" (موقع يوصف بأنه تويتر بلا حدود) قد حُجب أيضاً. وقد اكتشفت، في وقتٍ سابق من هذا العام، أنَّ أجهزة الأمن كانت تسعى للوصول إلى معلومات عن الوقت الحقيقي لاستخدام تطبيقات سيارات الأجرة مثل "أوبر" و"كريم"، وهو ما يُعرَف في تطبيق "أوبر" بـ"رؤية الإله".
يشهد الجميع أنّ الصورة شديدة القتامة.
بصرف النظر عن عملك، ما المنتج التكنولوجي الذي تفضِّل استخدامه بحياتك اليومية في الوقت الراهن؟ ولماذا؟
أحب سماعات "بوز" التي تعمل بالبلوتوث، والتي تحجب الضوضاء تماماً، ولكن المنتج الأروع على الإطلاق من بين الباقي بالنسبة لي، والذي بدأت استخدامه قريباً، هو منبه ذكي وصغير الحجم صمَّمَه المُصمِّم الفرنسي فيليب تابيت؛ إذ أضعه على طاولة السرير وبه يمكنني الاستغناء عن هاتفي الذكي في مهمة إيقاظي.
عندما لا يوجد الهاتف معي في الغرفة نفسها، لا يمكنني أن أتصفَّح تويتر واإستغرام ولو حتى في غفلةٍ مني، وهي العادة التي اعتدتها كل يومٍ في تمام الساعة الثامنة صباحاً وقبل حتى أن أفيق. وفي هذه الحالة، عادةً ما يتصل بي محررو "التايمز" على الهاتف الأرضي إن أرادوني على وجه السرعة. ففي بعض الأحيان، تُثبِت التكنولوجيا القديمة أنها الأفضل.