اخسر لتكون حراً

امضِ يا صديقي وحسب، ولا تحاول أن تتذكر مواقفهم وتعلق في دوامة الذاكرة المحيّرة والمقلقة، فهذا النوع من التفكير سيجعلك تفكر في الانتقام من كل من سببّ لك أذى وحتى من لم يسبب.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/09 الساعة 05:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/09 الساعة 05:18 بتوقيت غرينتش

يقول ويليام شكسبير: إن أصعب معركة تواجهها في حياتك عندما يدفعك الناس إلى أن تكون شخصاً آخر. على الرغم من أنك الشخص الأفضل على الإطلاق؛ متسامح، حنون، مفكر، ذكي، متفهم والأهم؛ متصالح مع ذاتك بشكل كبير، فستواجه في حياتك عدة مواقف تجعلك تفكر في تغيير نفسك وصفاتك رغماً عنك لتصبح سليط اللسان، متعصب الرأي وعديم الثقة بأي شخص.

تلك المواقف التي يظهرها لك الكثير من الأشخاص المقربين الذين لم تتوقع في يوم من الأيام أن يصدر منهم تصرفات كالتي صدرت تجاهك، والمشكلة هنا لا تكون في تلك التصرفات، فالمرء منا يشهد الكثير من المواقف التي لا تشكّل له أي قيمة، فيتركها ويمضي لتتحجّم.

إنما المشكلة الحقيقية هنا هي أن تلك التصرفات بدرت من شخص كان كالمسلّمات في حياتك، كنت تراه الشخص الحديدي الصامد الذي يقف معك في كل أمور الحياة، ويهوّن الأيام عليك كصديق ورفيق أو أي معنى يمكن -يا دام عزّك- أن تراه مناسباً، وبالطبع عندما تكون شخصاً يملك كل تلك الصفات الجيدة، ويقدر الأمور، ويعطي وزناً للأيام والمواقف التي مضت؛ ستمنح فرصة ثانية لذلك الشخص حتى يحاول أن يمسح من ذاكرتك ما صدمك به من تصرفات، حتى يأتيك بعد فترة قصيرة في موقف صادم جديد، وكأنه يلقي معروف نسيانك لموقفه السابق وراء ظهره.

ومرة أخرى حتى لا تخسر الأشخاص الثمينين في حياتك بسهولة؛ ستمنحه فرصة أخرى، وهكذا دواليك.. حتى يصبح ذلك الشخص بالفعل عديم القيمة لديك؛ ليظهر الصدأ الذي كان يخبئه تحت ذلك اللمعان المزيّف فلا يصبح لوجوده في حياتك أيّة ضرورة.

عندما تخرج بصعوبة وبعد قرار كبير منك بعض الأشخاص الذين كنت تقدر وجودهم ضمن حياتك وتقدر صداقتهم الكبيرة لك؛ سيتولد لديك بشكل تلقائي رد فعل يجعلك تحرص بشكل كبير على انتقاء الأشخاص المقربين منك؛ فتتغير طباعك وكأنك تخشى من تكرار تلك المواقف في ذاكرتك، وهذا شيء سيء بالطبع، فأنت هنا تحكم على شخصيتك الرائعة بالموت، تلك الشخصية التي تحب الناس والحياة والتي تسامح وتتفهم وتعطي الفرص للجميع.

إن حزنك على ما مضى وبهذه الطريقة غير ملائم البتة، فلا شخص في هذه الحياة يشبه شخصاً آخر، جميعاً بشر ونستحق أن نَمنح ونُمنح فرصاً من قِبَل الجميع.

واعلم أن هناك الكثير من الأشخاص الرائعين الذين لم تقابلهم بعد، والكثير من الأصدقاء الذين ينتظرون قدوم شخص رائع مثلك ليكون ضمن دائرة حياتهم، ومهما حصل فاعلم أنك قد فعلت ما كان يجب أن يُفعل، وأنت بهذه الطريقة أخرجت مصادر القلق والإزعاج من حياتك؛ لأنه عليك ألا تتوانى أبداً في استبعاد كل ما يحزنك ويفسد يومك، سواء أكان ذلك شخصاً أو أي شيء آخر.

فأنا أقول كلامي هذا؛ لأن صاحب النوايا الحسنة في الحياة التي يعامل بها الأشخاص وهو بالطبع يعرف نفسه وما بداخله من صدق النوايا، لهو شخص يستحق أن يمنح نفسه كل تقدير، فلا يجعلها تحزن على الأشخاص الذين خسرتهم أو قررت إبعادهم عن طريقها.

امضِ يا صديقي وحسب، ولا تحاول أن تتذكر مواقفهم وتعلق في دوامة الذاكرة المحيّرة والمقلقة، فهذا النوع من التفكير سيجعلك تفكر في الانتقام من كل من سببّ لك أذى وحتى من لم يسبب.

وأنا أعلم أن الانتقام شيء سيمنحك لربما شعوراً رائعاً لدقائق، لكن ماركوس أوريليوس يقول: إن أفضل انتقام ألا تكون مثل عدوك، ودوج هرتون يقول: في محاولتك للانتقام أنت تحفر قبرين أحدهما لنفسك، فلا تنتقم ولا تذكر أي شيء سيئ مضى، بل كن ممتنا؛ لأن الحياة منحتك في أحد الأيام شخصاً رائعاً، وكُن أكثر امتناناً أنها كشفته لك، فمن حسنات الناس أنهم لا يستطيعون إخفاء سيئاتهم طويلاً.

واخسر يا صديقي فرصة انتقامك حتى تصبح حرّ نفسك، واترك الانتقام للأيام، فهو طبق تفضل الحياة أن تقدمه بارداً لبعضهم.
ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد