مرة أخرى يحتدم الجدال حول ما إذا كان يجب دفن فلاديمير لينين، الذي لا يزال جثمانه مُحنَّطاً في الساحة الحمراء بموسكو، وهو الجدال الذي أدى إلى حادثةِ طعنٍ، قبيل الذكرى المائة للثورة البلشفية.
ويحاول الحزب الحاكم التقليل من شأنِ مئوية الثورة، والتي توافق يوم الثلاثاء 7 نوفمبر/تشرين الثاني، إذ تنافي تلك الثورة عقائد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي تقوم على الاستقرار والقيم التقليدية، وفق ما ذكرت صحيفة تيليغراف البريطانية.
لكنه في حوارٍ صحفي أُجرِيَ يوم الأربعاء 1 نوفمبر/تشرين الثاني، حينما دعت فالنتينا ماتفيينكو، رئيسة مجلس الشيوخ، للاحتفال بالذكرى السنوية دون "مواجهة"، كانت قد سُئِلَت أيضاً عن نقل لينين من تابوته الزجاجي في الضريح المجاور للكرملين.
واقترحت ماتفيينكو إجراء استفتاءٍ للفصل في القضية التي طال أمدها.
وقد رد رمضان قاديروف، الزعيم المسلم القوي لجمهورية الشيشان الروسية، على وسائل التواصل الاجتماعي مؤكداً أنه على بوتين أن يُقرِّر، ومضيفاً أنه "ليس من الصحيح أن يوجد في قلب روسيا نعشٌ لشخصٍ ميِّت".
وقالت نتاليا بوكلونسكايا، وهي عضوة في حزب روسيا المتحدة الحاكم وتقود حملةً شعواء ضد فيلمٍ صَدَرَ مؤخراً عن علاقة القيصر نيقولا الثاني مع راقصة باليه، إن الاستمرار في عرض جثمان لينين هو أمرٌ "غير إنساني".
وقد وعدت كسينيا سوبتشاك، الصحفية الليبرالية التي أعلنت أنها ستخوض انتخابات الرئاسة في مارس/آذار، بدفن الجثمان إن فازت.
لكن الوداع النهائي للثوري، الذي كان يُبَجَّل كتجسيدٍ للأيديولوجيةِ السوفيتية حتى بعد استنكار شخصية جوزيف ستالين ونبذها، سيُغضب الحزب الشيوعي، وهو أكبر أقلية في البرلمان.
وقال رئيس الحزب، غينادي زيوغانوف، الذي وضع إكليلاً من الزهور فوق الضريح بمصاحبة وفدٍ دولي، يوم الأحد 5 نوفمبر/تشرين الثاني، إنه إذا كانت ابنة أخي لينين الصغرى قد وافقت على عرض جثمانه، فإن دفنه سيكون في الواقع أمراً "غير طبيعي ومُهيناً".
لكن هذا سيعني أيضاً إغلاق "مختبر لينين"، وهو معهد موسكو الذي أنشئ خصيصاً بغرض الحفاظ على جثمانه، والذي جمع أيضاً جثامين زعماء آخرين مثل هوشي منه وكيم جونغ إيل.
وعلى الرغم من أن رأس لينين ويديه الباهِتَتَين هما كل ما يمكن رؤيته من تحت بدلته الداكنة، فإن مجموعة المختبر السرية من المختصين تستمر في العمل بدوامٍ كامل للحفاظ على جثمانه كاملاً، من مرونة ركبتيه إلى شعر صدره.
وكشفت مناقصة حكومية أنَّ حوالي 140 ألف جنيه إسترليني (حوالي 184 ألف دولار) قد أُنفِقَت على الحفاظ على لينين في عام 2016.
وبحسب أليكسي يورشاك، وهو أستاذٌ بجامعة كاليفورنيا يكتب كتاباً حول محاولات الحفاظ على لينين، فإنه بالنظر إلى مجموعة الأصباغ والمخاليط المُستَخدَمة، ما يظهر على الشاشة هو "أقرب لكونه صورة تمثيلية صُمِّمَت بشكلٍ كامل لجثمان لينين، من كونه الرجل الأصلي الذي عاش من قبل".
ومع ذلك، لا يزال الجثمان رمزاً هاماً ومحوراً لنقاشٍ مُشبَّعٍ بالعواطف.
وذكرت وسائل الاعلام المحلية أنَّ شخصين مخمورَين في بلدةٍ في جنوب غرب روسيا قد احتدم بينهما جدالٌ غاضب، يوم الخميس الماضي 2 نوفمبر/تشرين الثاني، حول إذا كان ينبغي دفن لينين أم لا، إلى أن طَعَنَ أحدهما الآخر بسكينِ مطبخ.
وكشف استطلاعٌ أجرته وكالة فتسيوم (مركز عموم روسيا لقياس الرأي العام)، وهي جهة استطلاعات حكومية، في وقت سابق من هذا العام أنَّ 63 بالمائة من الروس يُفضِّلون دفن لينين، بيد أنَّ الثلث فقط يعتقدون أنه يتعيَّن القيام بذلك في المستقبل القريب.
وقد تجنَّب بوتين، الذي كان يميل إلى تفادي هذه المسألة منذ أن تولَّى السلطة منذ ما يقرُب من عقدَين من الزمان، الدخول في نقاشٍ آخر حول ما ينبغي فعله مع لينين.
فيما قالت الإدارة الرئاسية يوم الخميس 2 نوفمبر/تشرين الثاني إن "الأمر ليس مُدرَجاً في جدول أعمال الكرملين"، ورفضت سلطات موسكو السماح بمظاهرةٍ للمعارضة الأسبوع القادم للمطالبة بإزالة الجثمان.
وقد عُلِّقَت التشريعات المُقتَرَحَة لدفن لينين في أبريل/نيسان بعد أن صرَّحت الحكومة بما يدعم النقيض من ذلك. وقال متحدثٌ باسم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إن لينين كان يجب أن يُدفَن في 1991 والوقت الحالي ليس مناسباً "لإعادة فتح الجروح القديمة".
ووفقاً لما ذكرته المُحلِّلة ماشا ليبمان، فمن غير المُرجَّح أن يتَّخذ بوتين موقفاً بشأن هذه القضية قبل الانتخابات، وخاصةً بالنظر إلى التفكيك الكامل لكافة تماثيل لينين من قبل الحكومة الموالية للغرب في أوكرانيا.
وأضافت: "من المستحيل القول إن لينين سيئ وإننا لا نريد تمجيد هذا المذهب الذي يعود إلى الأيام السوفيتية، إذ أنَّ هذا ما يفعله الأوكرانيون".