هذا الكائن الصغير يحتل مساحات واسعة من القلب، لا؛ بل يحتل كل القلب.. عندما يمسك يدي خائفاً من فقداني أشعر برغبة شديدة في البكاء، ولكني أخفي دمعتي وراء ابتسامة تجعله يقهقه عالياً.
ليته بيدي -يا صغيري- ألا أجعلك تفارق، ولكن الفراق قَدَرٌ كباقي الأقدار الحزينة أو الأقدار الجميلة مثلك، فأنت ذلك القدر الجميل الذي عوَّضني به الله عن كل فقدان؛ بل عوضني بكما معاً في آن واحد؛ ليدهشني بعطاءاته التي لا تنتهي.
فأنت وحدك عندما يستيقظ الفرح باسماً كابتسامة عينيك البريئتين المتعلقات بعالمي، فأنا كلُ عالمك الآن. وهكذا، كل أُمٍّ تبقى هي عالَم طفلها الوحيد حتى يشتد عوده قليلاً ليبدأ باكتشاف محيطه.
تدهشني تلك المرأة التي تبتلع غضبها أمام مديرها في العمل وتصبر على العمل ساعات متواصلة دون ملل ولا تستطيع أن تستوعب كائناً صغيراً لا يستطيع أن يعبر عن طلباته إلا بالبكاء، فتُظهر عُقدها النفسية في هذا الكائن الصغير الذي ينظر إلى عالمه الوحيد وهو يغضب باستغراب وكأنه يقول: أنا فقط جائع يا أمي!
هذا الطفل نِعمة من نِعم الله العظيمة التي لا تعد ولا تحصى، فأنت فقط عندما تستيقظ من نومك تسترد نعمة البصر والسمع وقدرتك على الإحساس بما حولك، ولا تكتفي بهذه النعمة فيمدك الله بنعمه ظاهرةً وباطنةً، نِعم تستوجب فوق الحمد حمد.
هل تجاهلنا عطاءات الله أم نتقبل الجيد من القدر فقط؟! إن الإيمان لا يُجزَّأ إلى مجموعة من الأقدار المحزنة، لا بد أن يتبعها فرح، فعطاءات الله لا تنتهي، ولن تنتهي الحياة عند فراق أحد؛ لذا كان من شروط الإيمان (الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشرِّه)، وأن يكون حب الله ورسوله أحب إليك من الدنيا وما فيها ومن فيها..
نتعلم من خلاله أننا أُوجدنا في هذه الدنيا من أجل تأدية رسالة وواجب وفرض ورعاية بحب.
يؤلمني صراخ طفلي عندما لا أستوعب طلباته؛ إن متطلبات الأطفال معدودة: جائع.. متعب.. موجوع.. يريد أن يلعب! هل يصعب على الوالد أو الوالدة حصر ذكائهما في احتياجات طفل؟
غريب أمرهما معاً! بعد الزواج، المهمة الأولى هو السباق من أجل الحمل؛ ليثبت فحولته ولتثبت المرأة مهارتها في الحمل من أول يوم… دون التفكير في أن الزواج ليس فقط طفلاً جديداً يُولد في منزل يكتظ اكتظاظاً بقلة المادة، التي تؤدي إلى ضغط في العمل، فيكون المنزل مكان الانفجار، فيولد طفل مشوَّه يفرّغ عقده النفسية مستقبلاً بما يقابله.
البيئة السليمة لا يمكن أن تنتج رجلاً مشوَّهاً؟ وما أقصده بـ"المشوه"هنا ليس خارجياً؛ بل داخلياً، يصبُّ جام غضبه على زوجته، متمادياً في رفع يده وتكسير ما يستطيع أن يكسر، متجاهلاً تبعات ما قد يحدث.
كثيراً ما أسأل نفسي: هل الخطأ هنا يعود لتربية هذا الرجل فقط؟ أم لمجتمع لا يقبل زوجة مطلقة؟! المطلقة في الوطن العربي تعني امرأة سيئة الطباع، وهذا ما يدهشني حقاً! يُلْبِسون المرأة رداء قذارة ذلك الرجل المفعم بالعُقَد النفسية، متجاهلين آلامها النفسية، فهي التي ابتلعت الخيانة خوفاً، وابتلعت القهر كسراً وتجنباً للعنة المجتمع التي قد تلاحقها ما دامت مطلقة.
لا يوجد حق يحمي المرأة من مجتمع مريض يتبعه رجل مشوّه من اللحظة الأولى التي ارتفعت بها يد ذلك الرجل على زوجته فقتل كل شيء يمكن أن يزهر، فتبدأ الزوجة بالانهزام الداخلي والذبول، قاتلاً بذلك معنى الرأفة والرحمة.
تلك الزوجة التي خرجت من منزل، كانت هي أغلى من فيه لتدخل منزلاً هي أسوأ من فيه! هذا هو شعورها عندما تُكسر!
لا أستطيع أن أستوعب رجلاً يفرغ عُقده النفسية على طفله وزوجته! ولكن هذا نتيجة تلك الأسرة التي سارعت لتثبت للوسط المحيط بهما رجولته وعافيتها؛ فنشأ هذا الرجل في بيئة متخلفة.
متى سيستوعب الوطن العربي أن إنجاب الأطفال ليس مسابقة بعد الزواج، وأن الكائن الصغير كنز وأمانة وبِر، بحاجة بعد الخروج من رحم الأم الآمن إلى رحم المنزل المفعم بالحب لا المفعم بالصراخ والعويل والغباء المدهش؟
لا تنجب لتثبت قدرتك على الإنجاب؛ بل قرِّر الإنجاب عندما تكون مستعداً لاستقبال هذه النعمة بالشكر والصبر والتصبر. تماماً، ككتْمك أنتِ -أيتها الأم- صراخك في وجه مديرك صبراً من أجل لقمة العيش.
فليستوعب كلاكما معاً، أنه مخلوق لا حول له ولا قوة ولا عون حتى يشتد عوده، فهو أمانة، وإن لم تصونا هذه النعمة ففي أي لحظة يحين الوداع ليستردّ الله أمانته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.