جحيم – نعيم الجامعة

آنذاك بدأت أفهم ألا أتحدى الجامعة وإلا عشت جحيمها، مثقَلاً بدرس الجامعة القاسي، الذي لم يرحم قلة خبراتي في الحياة، حتى إنها لم تمنحني فرصة الدفاع عن نفسي، رغم أن شخصاً بقوة سور الصين العظيم سينهار أمامها! لم ترحم فتىً مراهقاً.. يا لها من وحش لا يعرف الرحمة، كل درس تمنحك إياه تعصر دماً مقابله!

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/05 الساعة 03:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/05 الساعة 03:26 بتوقيت غرينتش

وأنت تقرأ عنوان المقالة، ستظن أن كاتبها أحمق، أو يدّعي الحماقة. لكن الأمر ليس هذا ولا ذاك. فمنذ الوهلة الأولى التي تدخل فيها أسوار الجامعة، تدرك أنك دخلت متاهة في عالم لا متناهٍ، مليء بالغموض، ممزوج بين الجنون والنباهة والإدراك الكلي للحياة.

سبع سنوات في الجامعة المغربية، مرت والتنقل بين ثلاث كليات في مدن مختلفة بعقليات مختلفة، كانت كافية لأفهم القليل عن الحياة الجامعية، التي مهما خططت وتوقعت كانت توقعاتنا مخالفة لما يحصل! فقد كانت المفاجآت إحدى سماتها التي لا تنتهي! احتجت سبع سنوات من حياتي لأكتب عن الجامعة مفتخراً بأنني أخيراً فهمت جزءاً صغيراً منها! فهمت أنه عليَّ أن أعيش كل لحظة فيها، وألا أتجرأ على أن أواجهها، فالجامعة ستصدمك لا محالة.

ما زلت أتذكر سنتي الأولى.. شاب مراهق في مقتبل العمر، ابن بلدة صغيرة، لم يعهد الحياة الصاخبة بعدُ؛ فهو قروي. يدخل من باب الجامعة، التي تضم آلاف الطلبة من كل بقاع المملكة المغربية. أمر جديد كلياً على حياة الشاب، كمن يرى الحياة أول مرة. ما المتوقع منه؟ يستسلم للحياة الجديدة، ويعيش جنونها أم سيصمد في وجهها؟

منحت للشاب القروي اختيارين.. يا له من محظوظ! لكنها منافقة، فهي لا تؤمن بشيء اسمه الديمقراطية، فالجامعة ديكتاتورية كمعظم الدول العربية! فكانت سنتي الأولى كارثية.

آنذاك بدأت أفهم ألا أتحدى الجامعة وإلا عشت جحيمها، مثقَلاً بدرس الجامعة القاسي، الذي لم يرحم قلة خبراتي في الحياة، حتى إنها لم تمنحني فرصة الدفاع عن نفسي، رغم أن شخصاً بقوة سور الصين العظيم سينهار أمامها! لم ترحم فتىً مراهقاً.. يا لها من وحش لا يعرف الرحمة، كل درس تمنحك إياه تعصر دماً مقابله!

لكن الآن، أصبحت أملك التجربة، بقراءتي قصة الشجرة مع عود القصب، وكيف تفاخرت الشجرة بقوتها، مستهزئةً بالقصب النحيل الذي لا قوة له، ليأتي اختبار الرياح وليُنصب (بضم الياء) القصب ناجحاً، ليس لقوته وإنما لمرونته وحسن تعامله مع اللحظة. فقد كان يتأرجح ويعيش اللحظة بسعادة رغم أنه في مواجهة خصم يريد أن ينهي حياته، أما الشجرة فقد كانت سعيدة بقوتها، إلا أن قوة الرياح كانت أكبر فكانت النتيجة كسر الشجرة، تماماً مثل ما وقع لي.

بعد سنة في الجحيم، أدركت أنني كنت أحمق كلياً، فلكي تعيش نعيمها يجب أن تواكبها مثلما فعل القصب تماماً في صراعه مع الرياح، فقد عاش كل لحظة بسعادة.

أخيراً، استسلمت لي الجامعة، لأعيش فيها 6 سنوات مفتخِراً بانتصاراتي عليها. تعلَّمت خلالها أنه من الحمق مجابهاتها، عوض أن نعيش كل لحظة فيها لكي نحظى بنعيمها، الذي ليس الحصول على شهادات بقدر أن تعيش حياتك بكل مشاعرك في كل لحظة وثانية. فقد كانت نقطة قوتها نقطة ضعفها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد