اليمين المتطرف حوَّل هذه المرأة المسلمة إلى “وحش” على الإنترنت

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/05 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/05 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش

انتشرت صورة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، عقب الساعات الأولى التي تلت الهجوم على البرلمان البريطاني، الأربعاء 22 مارس/آذار الماضي، كانت تلك الصورة عبارة عن لقطةٍ أُخِذت بعدما دهس الإرهابي خالد مسعود حشداً على جسر ويستمنستر، مودياً بحياة أربعة أشخاص.

أظهرت الصورة رجلاً مُلقىً على الأرض، ومارّة مضطربين ينظرون. وصادف أن كان بالحشد سيدة ترتدي حجاباً. وكانت تتحدث في الهاتف وهي تبدو مرتعدة.

رواية مختلفة

لكن في الوقت الذي بدأت صورتها بالانتشار عبر موقع تويتر، برزت قصةٌ مختلفة. كانت القصة تفيد بأنَّ المرأة المجهولة "لا تعبأ" بالهجوم المُروِّع الذي يتكشَّف أمامها. ولم تكن تبالي بأنَّ رجلاً مُلقىً على الأرض أمامها يحتضر. وأشار بعض الأشخاص إلى أنَّها ربما كانت مسرورةً بالهجوم، وفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2017/03/25/the-far-right-turned-this-muslim-woman-into-a-monster-online-thats-despicable/?utm_term=.5040e775d51c

لم تُحدِث حقيقة أنَّ مُلتقِط تلك الصورة تحدَّث إلى التلفزيون لتصحيح القصة فارقاً. فكما أوضح جيمي لوريمان لشبكة "إيه بي سي" الأسترالية، وثَّقت سلسلة الصور المتتابعة التي التقطها حزن المرأة. وقال: "في الصورة الأخرى في سلسلة الصور المتتابعة، بدت مذهولة بحق.. شخصياً، أعتقد أنَّها تبدو حزينة في كلتا الصورتين"، وأضاف: "كان من الخطأ إساءة فهمها (الصورة) بهذه الطريقة".

وأسهب لصحيفة "الغارديان" البريطانية قائلاً: "كان يجري إبلاغنا جميعاً بأن نُخلي الجسر في مراحل مختلفة، لذلك سيكون منطقياً التفكير في أنَّه قد طُلِب منها مغادرة الجسر في مرحلةٍ ما، شأنها شأن أي شخصٍ آخر".

https://en.wikipedia.org/wiki/Tell_MAMA

ولم يهم أيضاً أنَّ المرأة حاولت تقديم المساعدة في مسرح الحادث. فوفقاً لتصريحاتٍ نشرتها عبر مجموعة "تِل ماما- Tell MAMA"، وهو مشروع معنيٌّ بتوثيق الوقائع المعادية للمسلمين ومقرّه بريطانيا، تحدثت المرأة، في اللحظات التي أعقبت الهجوم، مع شهود عيانٍ آخرين، وأرشدت شخصاً إلى إحدى محطات المترو. ثُمَّ قرَّرت بعد ذلك أن تُهاتِف عائلتَها لتُخبرهم بأنَّها بخير.

بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أنَّ الإسلام ينتهج العنف، وربما قد يرغبون في حظر دخول كل المهاجرين واللاجئين السوريين، كانت هذه المرأة المجهولة وسيلةً سهلة لإثبات شيءٍ يعتقدونه بالفعل، وهو أنَّ كل المسلمين يكرهون الغرب ويتمنَّون الأذى للغربيين. وأنَّ المسلمين مُخيفون، وعلينا كغربيين أن نشعر بالخوف منهم؛ لأنَّ وحشاً فقط يمكنه المرور بجوار مشهدٍ كالذي ظهر بعد الهجوم على الجسر، دون أن يرمش له طرف.

(وبطبيعة الحال لاحظ المشاهدون أنَّ المرأة المسلمة لم تكن الوحيدة التي تتحدث في هاتفها).

يحدث مثل ذلك الأمر طيلة الوقت، فيلتقط أحدهم صورةً لشخصٍ يبدو مسلماً، ويشير إلى أنَّها تسرد قصة معينة عدوانية بشأن الدين، ثم ينشر الصورة في الأرجاء. وفي القريب العاجل تجري السخرية من موضوع الصورة بقوة، ولا يهم ما إذا كان هذا الشخص بريئاً أم لا، فالحقيقة ليست مهمة على الإطلاق.

حدث ذلك لأنس مودماني، وهو شاب سوري يبلغ من العمر 19 عاماً، الذي التقط صورة سيلفي بصحبة امرأةٍ بالكاد تعرَّف عليها من الأخبار. وكان مودماني قد لاذ بالفرار من مدينة درايا السورية إلى أوروبا في 2014، بعدما دُمِّر منزله، واستقرَّ مع عائلةٍ مضيفة، وقضى أيامه في تعلم اللغة، والعمل لدى ماكدونالدز. ثُمَّ في إحدى المناسبات التقط صورةً مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووثَّق مُصوِّرٌ صحفي تلك اللحظة أيضاً.

"أريد السلام في حياتي"

حازت الصورة قليلاً من الاهتمام آنذاك، لكن بعد هجوم بروكسل نشرت إحدى الصفحات على موقع فيسبوك رابطاً للصورة، وكان التعليق المصاحب للصورة: "أنجيلا الغبية: هل التقطت ميركل صورة سيلفي مع أحد إرهابيي بروكسل؟". ثُمَّ انتشر التعليق سريعاً. وفجأةً، كان الجميع يتداول صورة مودماني. وقُصَّ وجهه من الصورة وعُدِلَّ، لجعله يبدو شبيهاً بالآخرين المشتبه بكونهم إرهابيين.

كان الوضع سيئاً للغاية، لدرجة جعلته يخاف من السفر عائداً إلى سوريا لزيارة عائلته؛ لأنَّه يعلم أنَّه إذا بحث عنه موظف الهجرة على محرك البحث جوجل سيجد سلسلةً طويلة من المقالات عنه، باعتباره إرهابياً. وقال المراهق لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية: "أريد السلام في حياتي، لا يؤمن الجميع بذلك. بعض الأشخاص يكرهونني، لكن كل ما فعلتُه هو التقاط صورة سيلفي مع ميركل".

هناك أمثلة أخرى كثيرة. إذ يستخدم بريد إلكتروني شهير في رسالةٍ صورةً توثق يوم المسلم الأميركي في عام 1985، (والتي تُظهِر بضع مئات الرجال المسلمين وهم ساجدون أثناء أداء الصلاة في شارعٍ بمدينة نيويورك)، ليشير إلى أنَّ المسلمين يعطلون حركة المرور في نيويورك بصورةٍ مستمرة، بعد ظهر أيام الجمعة، كي يؤدوا الصلاة.

وجاء في الرسالة: "هذه صورة دقيقة من بعد ظهر كل يوم جمعة، في عدة أماكن في مختلف أنحاء نيويورك، حيث توجد مساجد بها عددٌ كبير من المسلمين، لا يستطيع المسجد استيعابهم"، مضيفاً: "هل هناك رسالة هنا؟ نعم، هناك، إنَّهم يدعون الله على أميركا. إن لم نستيقظ قريباً، سنضفي صفة "الصواب السياسي" على حقنا في بلدنا!".

ونشرت مجموعة يمينية متطرفة تناهض الهجرة والتعددية تُدعى "بريطانيا أولاً- Britain First" مقطع فيديو قِيل إنَّه يُظهِر نساء مسلمات يُبعَن في مزاد. في الواقع، كان الفيديو لمظاهرةٍ في لندن ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

كما عُدِّلت صورة لرجلٍ سيخي من قِبل أحد المستخدمين على موقع تويتر، الذي جرى تعليق حسابه منذ ذلك الحين، للإيحاء بأنَّ الرجل كان مسؤولاً عن الهجوم الإرهابي في باريس.

ويعيش فيريندر جوبال في كندا، ويقول إنَّه لم يسافر إلى باريس قط، لكن بعد هجمات نوفمبر/تشرين الثاني، سَرَق شخصٌ ما صورةً شخصية له وهو يحمل جهازاً لوحياً وعدَّلها، ليبدو وكأنَّه كان يحمل القرآن ويرتدي حزاماً ناسفاً. ثُمَّ انتشرت صورة "مهاجِم الدولة الإسلامية".

واستُخدِمت الصور نفسها لربط جوبال، وهو كاتبٌ مستقل، بالهجوم الذي جرى بواسطة شاحنةٍ في مدينة نيس الفرنسية.

وكتبت آبي أوهلهيسر، وهي صحفية بجريدة واشنطن بوست الأميركية: لقد تسبَّبت تداعيات تلك الخدعة في خسائر هائلة له. فقد قال سمران جيت سينغ، وهو صديق جوبال وزميلٌ بارز في الائتلاف السيخي، في مقابلةٍ صحفية، صباح الجمعة، 3 نوفمبر/تشرين الثاني: "المرة الأخيرة التي جرى فيها تداول الأمر كانت محبطة للغاية، حتى إنَّ حياته لم تعد كما كانت منذ ذلك الحين".

وهذا الأسبوع، نشر أحد مستخدمي الشبكات الاجتماعية، له علاقات باليمين المتطرف الفرنسي، فيديو أظهر رجلاً وهو يضرب ممرضتين. وادَّعى المستخدم أنَّ الفيديو صُوِّر في مستشفى عام في فرنسا، حيث كانت الممرضتان تعالجان مهاجِراً. وكتب: "نحن نعالجهم، وهم ممتنون لهذا، وهذا دليلٌ على ذلك".

وشاركت عدة حسابات مؤثرة على شبكات التواصل الاجتماعي على صلة باليمين المتطرف الفرنسي هذا الفيديو، ورجَّحت جميعها أنَّه يُظهِر مهاجراً وهو يشن هجوماً مناوِئاً لذوي البشرة البيضاء. وحاز الفيديو أكثر من 7 ملايين مشاهدة.

باستثناء أنَّ الفيديو في الحقيقة التُقِط في مستشفى بروسيا، ولم يكن الرجل مهاجراً.

تحميل المزيد