"الله أكبر"، هي عبارة يُردِّدها المسلمون -وهم جماعةٌ غريبة الأطوار تضم أكثر من مليار شخص- عدة مرات في صلواتهم الخمس اليومية.
بهذه الكلمات الصادمة، حاول الكاتب المسرحي الأميركي المسلم وجهت علي تنبيه الأميركيين إلى أن كلمات التكبير التي أطلقها منفذ هجوم مانهاتن بنيويورك ليست كلمات مرتبطة بالإرهاب، وليس كل من يقولها قاتلاً.
وقال الكاتب -في مقال بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية بعنوان "أريد استعادة (الله أكبر)"- إن هذه العبارة تُمثِّل كذلك وسيلةً مريحة للتعبير عن الحمد في أي موقف.
وأضاف قائلاً: "أجهر بقول (الله أكبر) أكثر من 100 مرةٍ في اليوم؛ إذ قُلتها عدة مراتٍ بالأمس في أثناء صلاة العشاء التي صليتها في وقتٍ متأخر من المساء. وقبل ذلك، في أثناء وجبة العَشاء، قُلتها بفمٍ مليء بعد قضم قطعة غضةٍ من كباب دجاج حلال. وفي الظهيرة، قُلتها في إحدى قاعات المؤتمرات بوزارة الخارجية، حيث كنت مدعوّاً إلى التحدُّث في غرفةٍ مليئة بموظفين حكوميين عن قوة السرد القصصي".
أوباما المسلم
يقول الكاتب: "ردَّدت (الله أكبر) بالأخص، حين أعربت عن امتناني الدائم لانتخاب باراك أوباما، الذي قُلت عنه، في إشارة مازحة إلى جنون كراهية الإسلام الذي يُحيط به، إنَّه (أول رئيس أميركي مسلم)"، مُضيفاً: (الله أكبر).
لقد ضحك الجمهور المُحتَشِد وصفَّقوا، ثم استمر العالم في الدوران، ولم يُصب أحدٌ بتضخُّمٍ في الأوعية الدموية، وبدت قلةٌ قليلةٌ من الناس تتعجَّب عاقدين حواجبهم كما تفعل سارة ساندرز، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، وكأنهم كانوا يقولون: مهلاً، هل هو …؟ حتى إنني أعترف بقولي (الله أكبر) منذ يومين في المرحاض بعدما خسرت جولة في حربٍ، انتصرت فيها في نهاية المطاف ضد فيروس بالمعدة"، حسب قوله.
يضيف الكاتب ذو الأصول الباكستانية: "جديرٌ بالذكر أنني أبلغ من العمر 37 عاماً، وكالأغلبية الساحقة من المسلمين، لم أقل قط عبارة (الله أكبر) قبل ارتكاب عملٍ عنيف أو بعده. ولكن مع الأسف، فهذا هو نهج بعض الإرهابيين مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة، والمؤيدين لهما، الذين لا يُمثلون سوى جزءٍ صغير من المسلمين".
ويستدرك قائلاً: "على صعيد التخيُّل العام للأميركيين، فقد أضفى استخدام المتطرفين على العبارة معنى يستحيل أن يتفق مع ما تُمثِّله في حياتي اليومية".
العناوين الرئيسيّة
يشير "وجهت علي" إلى أن عبارة "الله أكبر" عادت لتتصدَّر العناوين الرئيسية مرةً أخرى؛ لأنها وردت على لسان الرجل، البالغ من العمر 29 عاماً، والذي قاد شاحنةً كان قد استأجرها بسرعة جنونية على مسارٍ مُخصَّص للدراجات؛ مما أسفر عن مقتل 8 أشخاصٍ وإصابة 12 آخرين في منطقة مانهاتن بمدينة نيويورك الأميركية، يوم الثلاثاء 31 أكتوبر/تشرين الأول.
وقال: "لقد تألَّمَ قلبي وأنا أسمع تغطية الأخبار عبر البث الحي، وروايات شهود العيان المذهولين والتي أكَّدت أنَّ ذلك لا يبدو حادثاً عرضياً على الإطلاق. وذلك بالإضافة إلى الكلمتين اللتين تقول الشرطة إنه صاح بهما بعد انتهاء جريمته، وهما: الله أكبر".
لا يتم تطبيق المعايير نفسها على النازيين الجدد
ولفت الكاتب إلى وجود تشابهاتٌ بين هذا الهجوم والهجوم الذي وقع في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا الأميركية في شهر أغسطس/آب 2017، حين صدم أحد أتباع حركة النازيين الجدد، واسمه جيمس أليكس فيلدز، حشداً ممن كانوا يحتجون على مسيرةٍ نظَّمها قوميون من ذوي البشرة البيضاء؛ مما أسفر عن مقتل هيذر هاير، البالغة من العمر 32 عاماً، وإصابة 19 شخصاً.
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد دافع عن رد فعله الأوَّلي حين ألقى باللوم في العنف على "العديد من الأطراف"، قائلاً: "تستغرق معرفة الحقائق بعض الوقت".
ويرصد "وجهت علي" الفارق في التعامل بين الحادثتين، قائلاً: "لا يبدو أن هذه الحيطة في التصريحات تنطبق على من يُشتَبَه في أنهم (شرق أوسطيون)، وبالتأكيد لا ينطبق كذلك حين يقول المُشتَبَه فيهم: الله أكبر".
ويضيف: "لم يمض وقتٌ طويل على القتل في تشارلوتسفيل حتى قاد مُتطرِّفون مسلمون سيارةً بسرعةٍ كبيرة عبر حشدٍ من الناس في مدينة برشلونة الإسبانية؛ مما أسفر عن مقتل 16 شخصاً.
وفي غضون ساعات، كرَّرَ الرئيس ترامب خرافةً لطالما فُضِحَت منذ زمنٍ بعيد، وحثَّ أولئك الذين يسعون لمحاربة الإرهاب على (دراسة ما كان يفعله الجنرال بيرشنغ بالإرهابيين عند القبض عليهم)، ألا وهو إطلاق النار عليهم برصاصةٍ مُلطَّخة بدماء خنازير".
يقول الكاتب: "اسمحوا لي بأن أوضح شيئاً لترامب: لست مضطراً إلى غمس رصاصتك في دماء الخنازير لقتلنا. فالرصاصات العادية ستفي بالغرض. لماذا؟ لأننا بشر!".
مُقرّبتان لقلوبنا
وهذا هو سبب الشعور بالألم حين شهد يوم الثلاثاء ظهور كلمتي "الله" و"أكبر"، البسيطتين المُقرَّبتين للغاية من قلوبنا، على الفور في سائر أوجه التغطية الإخبارية وكذلك في ردِّ الفعل الرئاسي، حسب تعبير "وجهت علي".
فالعبارة الشائعة والحميدة التي يستخدمها المسلمون يومياً، ولا سيما في أثناء الصلاة، صارت تُفهَم الآن على أنها رمز لـ"الإرهاب".
من السهل نسيان أن اللغة كثيراً ما تُختَطَف من قِبَلِ المتطرفين الذين ينتهجون العنف؛ ومن ثم تتحوَّل إلى سلاحٍ بأيديهم. فبعض الناس يصيحون "الله أكبر"، والبعض الآخر يتغنى بـ"التراث"، و"الثقافة"، و"الفخر الأبيض". فالشعارات المُفضَّلة للقاتل لا تعني الكثير بالنسبة لمن فقدوا حياتهم، أو لأحبائهم، ولكنها تُحدِث فارقاً كبيراً في فهم الأميركيين الجماعي لإحدى المآسي.
وفي غضون ساعات من هجوم مانهاتن، نشر ترامب تغريدةً قال فيها: "لقد أمرت الأمن الداخلي للتو بتكثيف برنامج التدقيق المُشدَّد بالفعل".
وقال كذلك يوم الثلاثاء، إنَّه سيُنهي برنامج قرعة تأشيرة الهجرة العشوائية التي دخل مُنفِّذ الهجوم البلاد عن طريقها، وفقاً لما قاله مسؤولون.
ولفت الكاتب إلى أن مثل هذا الرد السريع لم يحدث أمر مماثل له فيما يتعلق بالسيطرة على السلاح بعد إطلاق النار الجماعي الذي وقع مؤخراً في مدينة لاس فيغاس الأميركية (ارتكبه شخص غير مسلم).
عندما صاح الإعصار: "الله أكبر"
وفيما بدا أنه إشارة إلى أن ترامب لا يهتم إلا بالأحداث المرتبطة بالمسلمين بينما يتقاعس في أمور مثل مواجهة الإعصار "هارفي"، قال الكاتب المسلم: "ماذا لو كان بإمكان الإعصار الذي دمَّرَ بورتوريكو، وتَرَكَ مواطنين أميركيين في حاجةٍ ماسَّة إلى الكهرباء، أو الغذاء، أو الماء، أن يصيح قائلاً: الله أكبر؟".
وأردف قائلاً: "ربما كان رئيسنا سيتمكَّن حيئنذٍ من رؤية العاصفة على أنها شرٌ محدق، وربما كان سيتحفَّز بغضبٍ نابع من صراعٍ مُتمثِّلٍ في (إما هم وإما نحن) للإصرار على العمل السريع لإصلاح الضرر الذي سببه الإعصار".
"الله أكبر" في الهالوين
ويقول الكاتب الأميركي المسلم: "في الليلة الماضية، بينما كانت التغطية الإخبارية تلهث من تكرار العبارة التي رددها المشتبه فيه، اصطحبت أطفالي في ضواحي ولاية فرجينيا.
ومشينا في الشوارع مع جيران ودودين ومتنوعين، وحشدٍ من أطفالٍ سُعداء يرتدون ملابس تنكرية، ويُمسكون أكياساً مليئة بحلوى لذيذة. وتنكّر طفلي، البالغ من العمر 3 أعوام، في زي قرصان. أما ابنتي، البالغة من العمر عاماً واحداً، فتنكرت في زي الفتاة الخارقة. ولقد تشاركنا جميعاً الابتسامات والحلويات مع أناسٍ غرباء، بقلوب مفتوحة، وبلا خوف.. الله أكبر".