أصبح لديّ هاجس جديد، كُلما رأيت فتاة يتكوّر بطنها ليسفِر عن وجود رَوح جديدة بداخلها.. أود أن أذهب إليها وأستحلفها بالله ألا تُساعد على اتساع البالوعة من حولنا.
نَعم الأم الآن تأخذ الروح الملائكية التي وهبها الله وتقذفها بالبالوعة تدريجياً، بالنسبة لبعضهّن أن انتفاخ بطونهن يعَد علامة نسائية جذابة وهي خطوة للقيادة بأن تسوق بعدما كانت تُساق، ستكون آمرة وناهية للُعبة الجديدة التي حصلت عليها، هي من منظورها تحافظ عليها.. والحق كل الحق أن مَصير لُعبتها للهلاك.
حاشاني سيدتي أن أُنكِر مَحبتك لصغيرك الذي أتى لعالم الأرض بعدما استقر في رَحِمك وتغذى على رَوحك وآلمك، آلمك في كل ذرة كائنة من جسدك، لكن هذا لا يُعد تذكرة وتصريحاً بالتملُّك المُطلق وعدم احترامك لعقله الذي مَنحه الله.
خَلقكِ الله وأوجدك وكلّ مُيسّر لما خُلِق له، يسّركِ الله لتكوني سَبباً في جَلب رَوح جديدة لعالم الاستخلاف واختصُكِ بذلك فيسّر عليكِ الألم ويسّر لكِ أسباب احتماله بعاطفة الأمومة والمَحبة القلبية الخالِصة.
لكنه تكليف في حقيقة الأمر! هو تكليفٌ أكثر من كَونه تَشريفاً، تكليف شاق جداً يحتاج إلى الإعداد والتأهُّب والاستخارة والاستشارة.. أنتِ وزوجك من المُفترض أن تُجريا اختبارات عِدّة تختبر قواكما العقلية وتُخبر عن أنكما أهل لهدية الله الجديدة إليكما؛ لأن العالم مريض لا ينقُصه أغبياء، ولأن البالوعة مُمتلئة ولا تحتاج المزيد.
إياكِ أن تكوني تلك المرأة المُختلة عقلياً التي تَجعل من حيّز جُدران البَيت وغُرفاته فقط عالماً لصغيرها، إن أفكار طفلها كُلما حلّقت ارتطمت بطبق الحساء.. وهي سعيدة لأنه آمن بجوارها وبجوار الحساء الساخن!
يَكبُر الصغير شيئاً فشيئاً، يتساءل عن ماهية العالم، عن مُفرداته، عن السماء والقُطن الموزّع فيها بجمال أو غَزل البنات كما تقول أخيته الصُغرى.. فترد عليهم بحساء ساخن.. يَكبُر أكثر، يتساءل من أوجد الرَوح، كيف نتنفس، أين الله يا أمي؟ لماذا لا أراه؟ فتنظر شزراً رافعة أحد حاجبيها مُخبرة: هذه أسئلة تقود إلى الهلاك والجحيم والكُفر يا بُنيّ.. لا تسألها ثانية، دَعك من هذا، أأجلب لك الحساء الآن أم بعد قليل؟
يَكبُر عقل الصِبية، يتسِع أكثر فأكثر وكل الاتساع خواء وكل الاتساع فراغ.. تُخبِرهم أن العالم مليء بالأوغاد وأن الغُرفة آمنة وبإمكانهم النظر من الشُرفات على الأوغاد، أقصد العالم الخارجي، وهم يحتسون الحساء طبعاً تحت إشرافها.
هي سعيدة وهم بمأمن مؤقت!
يتلفّت الأبناء في الشارع والمدرسة والدرس يستصرخون الوقت لينتهي فيعودوا لفلَكِهم!
ولكن يتعذّب الصغير فالفلك الآمن مؤقت وأمه لم تُخبره بوحشية العالم خَشيةً عليه، يُحاول الصغير أن يضع يديه على عقله يمنع تسلُّل قَول صاحِبه بأن الله ليس موجوداً وأن الأرض صُدفة.. يعود للبيت، تستقبله أمه وأبوه في رقعتهما الآمنة ليشربوا معاً الحساء.. يذهب المُراهق لغرفته فيُطارده شبح الأسئلة الليليّ ولا يسد جوعه الفِكري هذا الحساء، وتنام الأم؛ لتستيقظ مُبكراً تصنع حساء بمثابة خرزة زرقاء لصغارها.. الحمقاء!
يجلس الصغير عقلاً إلى صديقه الذي داعب أفكاره، يسأله أكثر فيُجيب المُراهق الآخر بفخر شديد فيشُعر الآخر أن الكوكب يميد به، يتمرّد؟ يتمرّد بعُنفوان، فتحتوي الأم انجراف صغيرها برَدع بدُعاء وبكاء حار ثم حساء، و تتركه لشظايا أفكاره تحرقه وتُقطّعه إرباً إرباً كسكّين، المسكين تتطايره الريح إثر أم وأب لم يعلما أن صغارهما أمانة من الله سيُسألان عنها تَفصيلياً وأنهما مؤقتان في علاقتهما الأبوية المُتابِعة تلك، وأن العالم واسع يستحق إعلاماً منهماً ومُصارحة بخباياه بحق كل السوء الذي يسكن أركانه، فيستقبلان صدمات الصغار ويُقرّبان إليهم الواقع كما هو بتلطُّف وتغطية من بعيد وتدخُّل ذكي عند الحاجة يُتيح أماناً حقيقيّاً، بدلاً مما يحدث يومياً لِكَم الأفواج الهائلة الذاهبة إلى البالوعة.
يشعر هو أن لا حاجة للدين كما يُخبره صديقه.. 180 درجة يتغيّر، يُغادر شُرفات أبَويه ويُصبح الأوغاد ملاذ أفكاره الجائعة لالتهام أي إجابة تُخبره أن بإمكاننا تحويل علامة الاستفهام إلى نقطة.
يُقلِع هو عن الحساء الذي أحرقه ويظل الآباء يُلسعون بألم ضيق أفكارهم وخَوفهم المرَضيّ.. أمراً وليس فضلاً، كفّوا عن حساء الغباء الذي تتعاطوه وتعطوه لصغاركم أو كفوا عن الإنجاب لئلا تُرسلوا صغاركم إلى بالوعة الجحيم.. فطَفحِها الفِكريّ مؤلم ونِتاجه هلاك!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.