السّاعة الثالثة ليلاً، كل شيء ساكنٌ تماماً، حتى نبيحُ الكلابِ قد انتهى كُلياً.
ها أنا أفكّر كيف سأختم روايتي، هُنالك العديد من الاختيارات، إذا كنت أفكر لو أختمها بقصيدة، فكل قصائدي نثرية وأنا قدّمت استقالتي من نوعية كتابة هذه القصائد.
وإن كتبت شعراً عادياً غيرُ موزون، فأنا أختم أول رواياتي بشيء ساذج، وهذا ممل، ماذا لو ختمتُها برسالة إلى نبضة قلبي الأولى، ولم أستطِع أن أسلّمها مع ساعي البريد؛ لتصل إلى المُتقبّل.
فتحتُ الرسالة ووجدت فيها جميع أحاسيسي كامرأة مستقلة، حطمت حواجز ما يُسمى كبرياء؛ لتكتُب ما تُحس، إنها مشاعري النّبيلة والقوية جداً، كان في الرسالة كالآتي "إلى أنتَ".
أردت البوح لَكَ بكل هذا وجهاً لوجه مع كوب قهوة ساخن كمشاعري الآن فعلياً في مكتبة قديمة جداً، غزا الغبار كُتبها، فأعطت رونقاً خاصاً صدقاً، فأنا كما تعرفني أعيش الحداثة، صحيح، لكن أحبذ ذاك الزّمن الذي كانت فيه مصباح البلكونة يشبه عبارة متصل الآن.
أنا أعترف بهزيمتي أمام هذه المشاعر الصّادقة التي تفوق الوصف، والتي تجاوزت فيه اللّيالي المُبكية حنيناً، وإن الحنين لعقاب للعقل.
لطالما أردتُ أن آتي لك بسعادتي كجندي منتصرٍ وأضعها أمام عينيك القاتلتين لشدة الجمال، كما كان يفعل الرجال في عصر ملك الشّمس.
ولطالما أردت أن أكتب لك معاني أدق بكثير، كما كان يفعل جان بول سارتر حين يكتب لسيمون دي بوفوار، وربما كما كان يفعل رجلٌ مناضل دخل السّجن من أجل الوطن.
إنني أشعر بمتعة في البوح بكل هذا لم تتعرّف عليها من قبل، متعة الانتقالات المفاجئة من امرأة صارمة واثقة إلى عاشقة مهووسة، من القوّة إلى الضعف إلى الهذيان في الأشياء واللاوعي.
لا تستغربني، لستُ في حالة غريبة، أنا التي تكتب؛ لأن الكتمان أرهقني وأريدُ التّخلص، أريد أن أحرر قلبي وأعرف النتيجة، وهذا مضحك.
حاول أن تُدرك أنني أحبك، وحواسي تُراقب أشياء أخرى بعيدة.
على منصة ما اكتشفتك، وبداية الحديث: "هل لي أن أسألك شيئاً!"، وقتها جرفني وادي عينيك بكل بساطة نحو الهاوية اللّذيذة.
اللّيلة أحببتك والمساء شتاء ليس بالبارد، أو هنالك مطر، أحبك والباب مفتوح والنافذة مغلقة.
أنت لي والأشياء لي وهذياني بعينيك يُغيّر الأشياء من حولي، وهي أيضاً تغيّر حبي، وهذا أمر مفزع.
إنه صعب أن أحب بهذه الطريقة، وبهذا العمق، فنحن معشر المثقفات مغرورات حتى في المشاعر، لكن لا أريد أن أكتم وألبس وجه اللامبالات لست في مسرحية ساخرة، إنني كنت وما زلت واضحة كأول طلوع الشمس إلى غروبها.
بين قسوة حديثي معك وقسوتك في رد الفعل، هنالك قوس مفتوح فيه لحظات حب دفين جداً.
أن تعيش خلال "بروكاست" يعني أن تعيش في حقول " إيليزيان الواسعة".
لست معتادة أن يفهمني أحد، لست معتادة لهذه الدرجة أنني أعتقدُ في الدقائق الأولى من حديثي معك أن الأمر أشبه بمزحة؛ لأنني جدية وعميقة وهذا لكونك بالبداية كنت لطيفاً جداً بل مسالماً.
أنت الشخص الوحيد الذي أستطيع التحدث معه في ظل غيمة، عن أغنية مجنونة، عن تغير العالم، عن زخات الرصاص دون خوف.
كم أشتهي أن أراك وأنت تنطقُ حروف العلّة كاملة بشغف يظهر من عينيك الهادئة.
أحبك بالشكل الذي لا يُطاق، عيناك اللتان لم يسبق لأحد وصفهما بهذا العمق لفرط جمالهما تشرقان عندما تغضب كالحرب الباردة التي تجعل من عروقي تتصارع وتتداخل.
لقد دخلت حياتي ليس كما يدخل الزائر، بل كما يرجع المناضل الشجاع من الحرب إلى وطنه وأمه، وجميع الأنهار تنتظر انعكاسك وجميع الطرق تنتظر إقدامك.
بروكاست أحبك بطريقتي المزاجية السيئة، وأحب روحك كاملة من رأسك حتى قدميك، ولكنني أحب هدفي وأحلامي أكثر من كل شيء في هذه الحياة، نحن تعادلنا.
كانت هذه الرسالة، ثم ختمت روايتي بنقطة إلى أن أبدأ صراعاً آخر مع رواية أخرى أكتبها فقط؛ لأنني أريد أن أكتب وأنا أعي أن نهايتي من أجل الإنسانية بعيدة عن الروايات، ولكن أترجم في الورق مخاض حياتي التي تنتظرني، فمن عتمتي سيخرج قمر.
كانت هذه رسالتي الممنوعة، رغم صدقها، فهل سأجبر أن أكتب يُتبَع؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.