وأنا أيضاً

المُتابِع لـ"فيسبوك" سيجد أن كل يوم تمُر حادثة جديدة ويمتلئ ذلك الفضاء الأزرق بالهشتاغات وردود الفعل الإيجابية والسلبية، والجميع يتكلم ويُثرثر، ولكن يبقى السؤال: فهل من مُجيب؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/01 الساعة 05:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/01 الساعة 05:07 بتوقيت غرينتش

المُتابِع لـ"فيسبوك" سيجد أن كل يوم تمُر حادثة جديدة ويمتلئ ذلك الفضاء الأزرق بالهشتاغات وردود الفعل الإيجابية والسلبية، والجميع يتكلم ويُثرثر، ولكن يبقى السؤال: فهل من مُجيب؟

هناك بعض الأمور تكون فيها تلك الثرثرة الفيسبوكية مُجدية، ولا أُخفي عليكم فأصبح هناك بعض المسؤولين يُخيفَهُم تلك الثرثرة كثيراً، وهم مَنْ يلعنون وسائل التواصل الاجتماعي تلك وبكل ما يحدث فيها ولو كان يسهُل عليهم منعِها من البلاد لمنعوها، ومن ضمن تلك الثرثرة هو ذلك الحديث عن التحرش وتفعيل هاشتاغ وأنا أيضاً.

التحرش هو ذلك الحدث الوضيع الذي امتلأت بلداننا به في تلك الآونة الأخيرة، سواء تحرُش جسدي أو تحرُش لفظي، وأذكر أول ما سمعت به هو عقب ثورة يناير، وتلك الأحداث الجانبية التي كانت تصدُر من بعض لا أستطيع أن أناديهم بلفظ رجال، والمؤلم أن هؤلاء لم يعُد ينفع معهم التذكير بأن التحرُش حرام، أو أنه ليس من المروءة والنخوة في شيء؛ لأنه ببساطة تلك المصطلحات جعلناها بأنفسنا مصطلحات لا تعني سوى الرجعية والدونية الفكرية.

التحرش ما هو إلا صناعة محلية صنعناها بأيدينا وأتقنا في صُنعِها لن أتدخل في اللبس والأسلوب؛ لأن هناك دولاً غربية الأنثى تمشي في الشوارع بكل حرية بالرغم من ارتدائها للقليل من الملابس مُقارنة بالفتاة العربية، ولكن تمشي مطمئنة فلا يجرؤ أحد على لمسها أو التعرض لها بأي تحرش جسدي أو لفظي، فالتحرش هو النّتاج الأولي لانهيار ذلك الصرح الذي كنا نتباهى بقوة بنيانه أمام الكثير من الدول الغربية التي تُعاني من تشتته، أصبحنا الآن نتخبط في تلك المتاهات اللاأخلاقية التي نعيش فيها، والتي تحولت إليه مجتمعاتنا العربية، فأصبح الآن الكيان الأسري شبه مُنعدِم إلا ما رحم ربي، فالأم لم تعُد فارغة للتربية التي أصبحت صورة من صور الرجعية أن تبقى الأم في بيتها لتُربي أولادها، بل يجب أن تكون هناك أيدٍ غريبة أخرى تُربيهم.

وهذا من صور الظلام الذي نتخبط فيه فلم يعُد الضوء ينفُذ إلى أوطاننا بسبب تخلُف أفكارنا التي نظُن أنها من التحضر، فالأم لم تعُد سوى أُم بالاسم والأب لم يعُد سوى تلك الآلة التي ينتظرها الأبناء لتَضخّ لهم المال، لم يعُد ذلك الراعي المسؤول عن رعيته.

فهذا هو أول سبب لتلك الظاهرة الشنيعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى هو انهيار ذلك البُنيان الذي أخذنا بهدمه، فانهار هو، وظللنا في العراء، لم يعُد هناك مأوى نأوي إليه.

وثاني الأسباب هو الفراغ الذي يُعاني منه الشباب، الفراغ الفكري والعملي، البطالة، ذلك المُصطلح الزائف الذي يُعلِق عليه الشباب سقف أحلامهم؛ ليستنجدوا بالكافيهات ليندبوا حظهم، وتلك العيشة التي يتخبطون فيها، فما الذي ننتظره من شباب أغلب أوقاتهم في الكافيهات التي تدعى القهاوي أيضاً، فبالتالي ما الذي سيشغلهم عن التحرش بتلك الفتاة أو غيرها؟

وأخيراً التحرّش ظاهرة يجب أن تختفي، ولكن هل نظن أنها ستختفي بالقانون ؟

بالطبع يجب أن يكون هناك قانون موجود وصارم أيضاً؛ لكي يُعاقب المُتحرش بأقصى أنواع العقاب بسبب ما تُعانيه تلك الفتاة أو غيرها، ولكن التحرّش هو صفة دنيئة تغلغلت في نفوس الكثير من الشباب، لن يُخفيها من مُجتمعاتنا سوى التربية السليمة للنشء الجديد، والعودة إلى ذلك الدين الذي أخاف عليه من أنفسنا جميعاً، تلك النفس التي أصبحت تُحلل الحرام وتستبيحه.

نحتاج إلى بناء ذلك الكيان بأيدينا مرة أخرى، هو الكيان الأُسري، والمروءة، والشهامة في نفوس أبنائنا من جديد، وأن نُعلم أبناءنا أن البطالة هي لفظ لا صحة فيه، بل هي شماعة نُعلِق عليها أخطاءنا وتلك الأمور التي نتألم منها جميعاً الآن.

وختاماً استوصوا بنسائكم خيراً، كما وصاكم الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فالتحرش اللفظي أو الجسدي هو من أشد أنواع الإهانة لنفسك، إن كانت نفسك تأبى الإهانة، فكفَّ أيها المُتحرِّش عن تلك الأفعال غير السويّة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد