توقَّعَت أن تشعر بشيءٍ من الارتياح عندما حُرِّرَت مدينتها الرقة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الأسبوع الماضي، لكن ليلى الخالق، ذات الـ23 عاماً، باتت لا تشعر إلا بالإحباط.
اعتقدت ليلى أنها ستجد إجابةً للسؤال، الذي استهلكها طوال أربع سنوات تقريباً، بعد أن سقطت مدينة الرقة شمالي سوريا: أين والدها؟
في ظهيرة يوم الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، اختطف مسلحو تنظيم داعش عزيز الخالق. كان الطبيب الجراح البالغ من العمر 50 عاماً يقود سيارته من عيادته وسط مدينة الرقة عندما أوقفوا سيارته وجرّوه خارجها.
تقول ليلى، التي تستخدم اسماً مستعاراً لإخفاء هويتها، إن عائلتها لم تسمع أي أخبار عن والدها منذ ذلك الحين.
وتتابع: "إن السبب الوحيد لمعرفتنا باختطافه هو أنه صيح باسمه بينما كان الرجال يقتادونه بعيداً حتى يتسنى لهؤلاء الذين كانوا يشاهدون الواقعة أن يخبرونا بما حدث".
كان الخالق واحداً من بين أكثر من 7400 شخص، اختُطِفوا من قِبَلِ التنظيم الجهادي خلال فترة حكمه الوحشي في شمالي سوريا، وفقاً لبيانات المرصد السوري لحقوق الإنسان المتمركز في المملكة المتحدة.
عندما بدأت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من قبل الولايات المتحدة، هجومها على المدينة في يونيو/حزيران الماضي، كانت عائلات المفقودين تأمل في معرفة مصير ذويهم أخيراً.
لكن لم يُعثَر على أي سجين لدى تنظيم داعش.
كانت ليلى تخشى دائماً على سلامة والدها، الذي كان جزءاً من حركة المقاومة ضد النظام السوري منذ وقتٍ طويل، إذ كان عضواً نشطاً في المعارضة السياسية ضد الرئيس بشار الأسد ووالده حافظ.
بات معروفاً بلقب "الطبيب الثوري"، إذ كان يُعالج ضحايا القمع الحكومي للمظاهرات سراً في بداية الصراع السوري.
كان الخالق يحتج ضد الأسد في البداية، وعندما اجتاح الجهاديون، الذين تربطهم صلاتٌ بتنظيم القاعدة، الرقة في عام 2013، احتج ضدهم أيضاً.
وبمرور الوقت، تحوَّلَت القاعدة إلى تنظيم داعش، الذي بدأ في إرهاب السكان بأسلوبٍ منهجي للسيطرة عليهم، إذ شرع في إعدام الناس في الميادين العامة وجلدهم بسبب ارتكاب مخالفات صغيرة مثل التدخين.
اختطاف يومي
كانت عمليات الاختطاف شبه اليومية أقل وضوحاً من هذه الممارسات الممنهجة لكنها لم تكن أقل رعباً.
اختُطِفَ الخالق بعد أيامٍ من تنظيمه اعتصامٍ في ميدان نعيم الرئيسي في الرقة ضد حكام المدينة الجدد.
تقول ليلى لصحيفة تلغراف البريطانية من فرنسا، حيث تطالب عائلتها بحق اللجوء هناك: "كان يعرف أن الوضع خطير، لكنه مكث في المدينة على أية حال لأنه كان مؤمناً بما يفعله ولأنه كان شجاعاً. كان أكثر شجاعةً من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، فقد حارب تنظيم داعش بالكلمة فقط".
توسَّلَت العائلة إلى الجهاديين للحصول على إجاباتٍ، لكنهم لم يعترفوا مطلقاً باحتجازه.
وبعد الانتظار طيلة 10 أشهر، قرَّرَت العائلة مغادرة سوريا بقلبٍ مُثقل بالحزن.
اعتاد السوريون على حوادث الاختفاء القسري – فقد كانت حكومات نظام الأسد المتعاقبة تستخدمه كأسلوبٍ عقابي لقمع المعارضين. وربما كان المعارضون السياسيون، الذين لا يتمتَّعون بتأثيرٍ كبير، يقضون ما يقرب من عامٍ في سجون النظام قبل إطلاق سراحهم. في المقابل، لم يعد سوى عددٍ قليل من أسرى تنظيم داعش.
يقول مازن حسون، وهو طالبٌ يبلغ من العمر 22 عاماً من الرقة: "كل شخص تقريباً عاش تحت حكم تنظيم داعش يعرف شخصاً آخر قد اختطفوه. أنا أعرف 25 شخصاً".
في اليوم التالي لسقوط مدينة الرقة، أطلق حسون حملةً على الشبكات الاجتماعية باستخدام هاشتاغ #Kidnapped_ISIS، في محاولةٍ لنشر الوعي بشأن محنتهم.
بات حسون ينشر صور المفقودين تجاورها كلمات من محبيهم كل يوم منذ أن بدأ حملته.
وبجوار إحدى الصور المنشورة، كُتِبَت رسالةٌ تقول: "رسالةٌ من هالة الحاج صالح إلى زوجي هيثم، نتمنى لك كل الخير في عيد ميلادك. ستظل في قلوبنا مهما باعد بيننا الوقت والمسافة. سأظل أنتظرك يا حبيبي".
ويقول حسون إنه تلقى أكثر من 100 صورة خلال بضعة أيام من أقارب يأسون لكنهم يأملون في الحصول على إجابات. بعضهم أولادٌ لا تتجاوز أعمارهم 15 عاماً.
#أين_مخطوفو_داعش#WhereAreTheKidnappedByIsis#ils_sont_où_les_déténus_par_Daesh pic.twitter.com/P5NC2Z71XS
— Kidnapped by ISIS (@kidnapped_isis) October 24, 2017
يقول حسون لصحيفة تلغراف من ألمانيا: "في هذه اللحظة الراهنة، ليس بوسعنا القيام بشيء سوى عرض صورٍ مُجمَّعة لهم كي نضمن ألا ينساهم العالم".
اختُطِفَ ابن عم حسون، ويدعى مازن الخلف، في 19 مارس/آذار 2014. ويقول حسون إن شجاراً تافهاً قد نشب بينه وبين جاره، الذي كان عضواً في تنظيم داعش، في صباح ذلك اليوم. بعدها بساعتين، جاء خمسة رجال إلى بابه وجرّوه خارج منزله.
عندما سأل والداه عن ابنهما، قيل لهما إن احتجازه إجراءٌ "عادي" وإنه سيُطلَق سراحه بعد إتمام تحقيقٍ سريعٍ معه. لكنهم لم يسمعوا أي أنباء عنه بعد ذلك.
#أين_مخطوفو_داعش#WhereAreTheKidnappedByIsis#ils_sont_où_les_déténus_par_Daesh pic.twitter.com/4wqokpcMvl
— Kidnapped by ISIS (@kidnapped_isis) October 24, 2017
وبعد مرور وقتٍ قصير على هذه الحادثة، جاء تنظيم داعش للقبض على حسون، لكنه كان خارج المنزل حينها. في اليوم التالي، فرَّ إلى تركيا، حيث مكث لعدة أشهرٍ قبل أن يسافر برفقة آلاف الأشخاص عبر طريق الهجرة إلى ألمانيا في عام 2015.
يقول حسون: "قرر بعض أصدقائي النشطاء البقاء في المدينة ومواصلة معارضتهم لتنظيم داعش. لم يدركوا إلى أي مدى كان هؤلاء الأشخاص سيئين. كانت تلك آخر مرة أراهم فيها".
ويقول أيضاً إن تنظيم داعش يُدير سجناً يقع أسفل ملعب كرة القدم المحلي في الرقة، حيث يمكنه احتجاز مئات الأشخاص في وقتٍ واحد. ويتابع: "لكنهم يديرون أيضاً سجوناً عديدة، بعضها يقع بعيداً في مدن أخرى مثل الطبقة. لذا، لا يعرف أحد بدقة مكان عائلته".
وجدت قوات سوريا الديمقراطية أسماء السجناء محفورة على حوائط زنازين أرضية رطبة وبجوارها علامات تدل على الوقت الذي قضوه في السجن.
قال العقيد طلال سلو، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية لصحيفة تلغراف: "كنَّا نأمل أن نعثر على بعض السجناء أحياء. لقد وجدنا العديد من السجون والزنازين، لكنها كانت جميعها، للأسف، خالية. أنا متأكد من أننا سنعثر على عدة مقابر جماعية في مناطق مختلفة".
وأضاف أن قوات سوريا الديمقراطية تباشر عملية مسح المدينة بأكملها وأنهم ربما يحصلون على إجابات قريباً.
ولن تكون المهمة سهلة لأن غالبية مدينة الرقة قد دمرها القصف الجوي لقوات التحالف على مدار أشهر، لتُدفن معها، على الأرجح، أدلة جرائم تنظيم داعش.
لكن ليلى وحسون يرفضان فقدان الأمل في العثور على بعض السجناء أحياء.
تقول ليلى: "يجب أن أتمسك بالأمل، فبدونه ليس لدي شيء. لا أستطيع أن أتخيل للحظةٍ واحدة أنني لن أرى أبي مجدداً".
وكان حسون قد حصل على معلومات تفيد بأن تنظيم داعش ربما يكون قد نقل بعض السجناء من الرقة، قبل تعرض المدينة لهجومٍ من قبل قوات سوريا الديمقراطية في يونيو/حزيران الماضي، إلى المنطقة الخاضعة لسيطرته في مدينة دير الزور لاستخدامهم كدروعٍ بشرية.
ويعتقد حسون أن تنظيم داعش يحتفظ بوثائق دقيقة عن جميع سجنائه، وخاصة هؤلاء الذين خضعوا للمحاكمة في إحدى محاكم التنظيم التي تحكم بموجب الشريعة الإسلامية.
ويقول: "من المستحيل أنهم اختفوا جميعهم هكذا دون أي أثر. ستكون هناك أوراق وسجلات. لا يمكنك إخفاء كل هؤلاء الأشخاص".
ويأمل حسون أن يساهم جمع الشهادات في مساعدة أية تحقيقات مستقبلية، لكنه وليلى يدركان أن فرص حصولها على العدل ضيئلةٌ.
تقول ليلى: "لا تعبأ قوات سوريا الديمقراطية بشأن أحبائنا. لقد انتهت مهمتهم بحسب اعتقادهم. يجب أن نكافح للعثور عليهم".