حياة واحدة

أتوقفُ كثيراً عند أي جملةٍ متعلقة بـ(ما يفوتنا من الدنيا) مثل أن هذا أو ذاك يعوضني ما يفوتني من الدنيا، أو يجعلني لا أبالي أو لا أحزن، وما إلى ذلك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/30 الساعة 04:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/30 الساعة 04:13 بتوقيت غرينتش

أتوقفُ كثيراً عند أي جملةٍ متعلقة بـ(ما يفوتنا من الدنيا) مثل أن هذا أو ذاك يعوضني ما يفوتني من الدنيا، أو يجعلني لا أبالي أو لا أحزن، وما إلى ذلك.

نعم.. يفوتني الكثير من الدنيا وأنا التي لا ترضى أن يفوتها شيء من الأساس بطبيعتها وشخصيتها، وأسمع كثيراً من مقولات (أنت هتعيش مرة واحدة) (ما تخليش في نفسك حاجة).. فيصيبني بعض الخوار، ثم أردد في نفسي (وأنا لسّه نفسي في حاجات كتير!).

أدرك يقيناً بل وأستحضر أنني سأعيش حياة (دنيوية) واحدة، بل وربما هذا الذي يجعل أشياء كثيرة تفوت منّي، أو يجبرني على الاختيار، ولكن هناك تلك الحياة الأخرى الأكبر التي يتناسونها دائماً حتى أكاد أسألهم في كل مرةٍ يجزمون فيها أننا سنعيش حياة واحدة: أتقصدون تلك الخالدة في الآخرة بالطبع أليس كذلك؟ فإنكم وقد قصرتم الحياة على واحدة، فإنها بالطبع هى!

وما تلك التي نحن فيها بالحياة التي تستحق الذكر والقصر واستنفاد الرغبات في الأساس، فإن كبرى الرغبات بها قد لا تجعل طفلاً حزيناً منكسراً تطرف له عين أو تقنع عجوزاً أن هناك ما يستحق قيامه من فراشه الدافئ الذي ينتظر فيه الموت أو قُل (الحياة الأخرى).

الحياة قصيرة، والرغبات كثيرة، والمهام عظيمة، والوقت لا يسع، وإني صرتُ لا أهدأ إلا حينما أسمع أن هناك ما يعوضنا عما فاتنا من أمور الدنيا، بالطبع هناك! هناك ما يستحق أن ينبض له قلبي وتهفو إليه روحي، ويسعى له جسدي، وأندم على فواته ندماً يتناسب مع قدره.

ربما يعتريني كل ذلك الآن، وربما فوات بعض الأمور عليّ هو سبب لذلك من الأساس، وربما يبث الناس بعض أمثالهم وكلماتهم تلك بحسن نية يقصدون بها التهوين عليك وحثّك على استغلال بل اقتناص الفرص، لكنهم لا يعلمون أن هذا الكلام نفسه قد يكون ذا تأثير عكسي على من يضيع منه شيء في هذه الدنيا، فيشعر أنه أضاع الفرصة الوحيدة، أو قُل المتعة الوحيدة والجائزة الكبرى فلا تعويض.. يشعر أنه قد خسر خسراناً عظيماً، وإن هذا والله لهو بعينه الخسران المبين.

حياتنا ليست هنا يا رفيق، فرصنا هنا نعم، نصنعها ونسعى فيها، ولكن من أجل الحياة الأخرى، ليست هنا النهاية وليست هي الغاية، ولا الخاسر هنا قد خسر ولا الفائز قد أنهى السباق بالفوز، ليست هي الميزان وليست معاييرنا هي الموازين، فدعك من كل هذا وتعقّل، دعك من كلام الناس واصنع تجربتك بنفسك، وافعل ها هنا شيئاً ينتظرك هناك، شيئاً ستذكره هناك وتذكر ما ضيعته في سبيله حينذاك ثم تذكر وقت أن قرأت: (لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).

ليست كلماتي تلك دعوة للاستكانة والقعود أو التشاؤم، ولكنّك أسأت الفهم، تماماً كما أن السؤال ليس "حياة واحدة أم أكثر"، فإننا جميعاً نعلم الإجابة، وإن لم ندركها، ولكن يبقى السؤال: "أى واحدة؟".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد