خطة إسرائيلية جديدة يجري إعدادها ترمي لتقليل عدد السكان العرب في القدس بنسبة يمكن أن تصل للنصف.
فقد كشف وزير شؤون القدس الإسرائيلي زئيف إلكين عن اقتراحه لتقسيمٍ داخلي للقدس، ما قد يؤدي بدوره لعزل عدة أحياء عربية -تقع خارج حاجز فَصل الضفَّة الغربية عن القدس- عن بلدية القدس ووضعها تحت صلاحية إدارات مجلسٍ جديد أو أكثر.
ستتطلَّب هذه الخطوة الحصول على موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإقرار عدة تعديلاتٍ تشريعية، وقد وافق الكنيست على أوَّل مرحلةٍ منها بالفعل في شهر يوليو/تموز 2017، حسب تقرير لصحيفة هاآرتس الإسرائيلية.
وقال إلكين إنَّه يؤمن بأنَّ خطته، والتي ينوي البدء بالترويج لها في الأسابيع المقبلة، لن تَلقَى معارضةً ذات شأنٍ سواء من اليمين أو اليسار الإسرائيلي.
وهذه هي المحاولة الأولى لتقليل مساحة بلدية القدس مُنذ أن توسَّعت بعد حرب الأيام الستة عام 1967. وهي أيضاً المحاولة الأولى لتأسيس مجلسٍ محليّ إسرائيلي استثنائي لن يكون سكَّانه من المواطنين الإسرائيليين، بل فلسطينيين حاملين درجة الإقامة الدائمة في إسرائيل فقط.
وتلك الأحياء الواقعة خارج حاجز الفصل الإسرائيلي هيَ مخيَّم شعفاط وحيَّ كفر عقب، وكذلك حيُّ الولجة الواقع بالجزء الجنوبيّ من المدينة، وجزءٌ صغير من حيِّ السواحرة، وفقاً لتقرير الصحيفة الإسرائيلية.
لا يعلم أحدٌ بالتحديد عدد سُكَّان تلك المناطق، فيما يُقدَّر العدد بين 100 و150 ألف شخص، ويمثُّل هذا ثُلث إلى نصف حاملي بطاقات الهوية الإسرائيلية والإقامة في إسرائيل. ومنذ إنشاء حاجز الفَصل منذ 13 عاماً (ويجري الانتهاء حالياً من بناء حاجز الولجة)، انفصلت تلك المناطق عن القدس، لكنَّها ظلّت داخل نطاق صلاحيات المدينة.
منظمات إجرامية
وبعد بناء الحاجز، توقَّفت بلدية القدس، وشرطتها، وغيرها من الوكالات الإسرائيلية، عن تقديم الخدمات لتلك المناطق. وسادت الفوضى في ظل غيابٍ شبه تام للشرطة ومُفتِّشي البناء، وعانت تلك المناطق من مشاكل جسيمة تتعلَّق ببنيتها التحتية. إذ بُنِيَت عشرات الآلاف من الوحدات السكنية دون رُخَص بناء، وانتشرت المُنظَّمات الإجرامية وتجارة المخدرات.
وقال إلكين: "إنَّ النظام الحالي قد فشل كلياً. منذ اللحظة التي أقاموا فيها الحاجز على هذا الخط، كانت تلك غلطة. لكنَّ الآن لدينا منطقتين إداريتيين، وهما القدس وتلك الأحياء الأخرى، والتواصل بينهم ضعيفٌ للغاية".
وأضاف قائلاً: "لا يُمكن للجيش التصرُّف هُناك بصفةٍ رسمية، والشرطة تذهب فقط لتنفيذ عمليات، لقد أصبحت تلك المنطقة جانباً مظلماً. وبالتالي فإنَّ تقديم خدماتٍ من أي نوعٍ لها قد أصبح خطيراً، ويوجد بها بنايات مرتفعة بكثافةٍ عالية لا تراها حتى في تل أبيب".
وأشار إلكين أيضاً إلى خطر انهيار تلك البنايات في حال حدوث هزةٍ أرضية.
سر الحماس لهذا الاقتراح
ومع ذلك، فإنَّ تلك المشاكل ليست هيَ وحدها ما يُقلِق إلكين، حسب الصحيفة الإسرائيلية، فهوَ قلقٌ أيضاً من النمو الديموغرافي السريع الحادث في تلك المناطق، وأثره على التوازن بين أعداد العرب واليهود في القدس.
وتتكوَّن الكثير من العائلات القاطنة بتلك الأحياء من أبٍ أو أمٍ فقط من المقيمين في إسرائيل، وبالتالي يكون الأطفال مقيمين في إسرائيل، ما يرفع بدوره عدد المقيمين الفلسطينيين في القدس.
وفقاً لإلكين، فإنَّ السكن الرخيص، والقُرب من القدس، والفوضى السائدة هُناك قد جعل تلك الأحياء تجذب أناساً من القدس والضفة الغربية. وقال إلكين: "هُناك أيضاً تغييراتٌ جذرية فيما يخص الأغلبية اليهودية في القدس، ولأنَّك لا تستطيع تحسين مستوى المعيشة هناك، فإنَّ السكَّان سيستمرون بالتزايد".
وأضاف الوزير: "وبالتحديد لأني أؤمن بحقوقهم الانتخابية وأريد منهم أن يمارسوا تلك الحقوق، لا يمكنني إبداء عدم الاهتمام تجاه خطر فقدان الأغلبية اليهودية، لأنَّ الأمر لا يحدث بشكلٍ طبيعي، بل إنَّه يحدث نتيجة هجرة غير شرعية إلى داخل دولة إسرائيل ولا سبيل لنا لمنع ذلك من الحدوث".
وقال إلكين إنَّه قد جرت دراسة عدة حلولٍ أخرى لتلك المشكلة. وقال الوزير إنَّه قد رفض بعضها لأسبابٍ أيدولوجية وأمنية، مثل تسليم تلك المناطق للسلطة الفلسطينية. كذلك رفض تغيير مسار حاجز الفصل لأسبابٍ أمنية، ومادية، وقانونية.
إنَّ تفاصيل خطة إلكين ليست نهائية بعد. وليس واضحاً ما إن كانت الأحياء المذكورة ستوضع تحت صلاحية مجلسٍ إقليمي واحد من دون اتصالٍ جغرافي أم مجلسَين إقليميَّين. وحتى الآن، لم يوافق سكَّان تلك المناطق على عقدِ انتخاباتٍ بهدف تأسيس كيانٍ محليّ جديد، وسيعمل الكيان في سنواته الأولى تحت إدارةٍ يُعيِّنها وزير الداخلية الإسرائيلي.
وقال إلكين: "لا شك أنَّه، لكي تنجح هذه الخطة، يجب تطوير تعاون بيننا وبين القيادة المحلية في تلك المناطق".
وأضاف: "هم من جانبهم مهتمون بتغيير ظروف معيشتهم غير المُحتَمَلة. قد يستغرق الأمر وقتاً، لأنَّ هناك انعداماً للثقة بين الطرفين، لكنَّ الأمر لن يكون أسوأ مما هو عليه الآن". وتعهَّدَ إلكين بتقديم استثماراتٍ حكومية كبيرة في تلك الأحياء.
ويعمل إلكين على تنفيذ هذه الخطة منذ عدة أشهر. وعندما قدَّم وزير التعليم الإسرائيلي نافتالي بينيت اقتراحه لتغيير قانون القدس (يُدعى قانون أساس القدس)، خشي إلكين أنَّه في حال إقرار مشروع القانون بوضعه الحالي، فإنَّ ذلك سيعرِّض خطته الخاصة للخطر، إذ أنَّ اقتراح بينيت سيمنع أيَّ تقسيمٍ مستقبليّ للقدس.
ولحلِّ تلك المشكلة، أدرَجَ إلكين بنداً مبهماً في قانون بينيت: أنَّ القانون سيمنع تسليم أيَّ جزء من القدس للسلطة الفلسطينية، لكنَّ بلدية القدس يمكن تقسيمها هيئات إسرائيلية أصغر.
تقسيم القدس
لم يدرِ معظم المشرِّعين ممَّن أيَّدوا قانون بينيت أنَّهم صوَّتوا لصالح قانونٍ يتضمَّن تقسيم أجزاء من بلدية القدس. لكنَّ موافقة بينيت على البند جعلت الائتلاف الحاكم يدعم القانون، وأُقرَّ القانون في ظلِّ التأييد التلقائي من جانب معظم أعضاء الائتلاف.
وقال إلكين إنَّ تشريع قانونه المُقتَرَح سيكون في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ومن ثَم يُقدَّم إلى نتنياهو. وإذا أيَّده رئيس الوزراء، وهو على درايةٍ بالفعل بتفاصيل الخطة، فإنَّ هذا قد يعني تنفيذ الخطة بسرعة.
ومن الناحية القانونية، فإنَّ الخطة لا تحتاج لتشريع الكنيست الإسرائيلي، بل مجرَّد قرار وزير الداخلية الإسرائيلي.
وقال إلكين: "ليس من السهل على اليمين أو اليسار الإسرائيلي قبول تلك الفكرة. يُمكن لكلا الجانبين رؤية نفعٍ من وراء الأمر، لكنَّه ينطوي على بعض المخاطر. صحيح أنَّه إذا ما أراد أحدهم نقل هذه المناطق إلى السلطة الفلسطينية، فإنَّ هذا سيكون أسهل آنذاك".
المعارض الأول للخطة
وفي الدوائر السياسية الإسرائيلية، يُعتَقَد أن الخصم الأول في مواجهة الخطة سيكون رئيس بلدية القدس، نير بركات، إذ لأنَّ بلديته ستخسر قدراً كبيراً من تمويلها إذا ما فقدت صلاحيتها الإدارية على تلك الأحياء. وكذلك من المُتوقَّع أن تعارض السلطة الفلسطينية هذه الخطة، إذ ستراها محاولة لزيادة عدد اليهود في القدس.
وفي هذه الأثناء، يُروِّج الائتلاف أيضاً لخطةٍ اقترحها عضو الكنيست يوآف كيش (من حزب الليكود) من شأنها أن تضُم -إدارياً وليس سياسياً- سكَّان المستوطنات الواقعة بالقرب من العاصمة تحت سقفٍ إداري واحد. وهذا قد يضيف مئات الآلاف من الناخبين اليهود إلى بلدية القدس، كذلك سيغيِّر التوازن الديموغرافي بالمدينة.
ومع أنَّ مشروع القانون موضوعٌ على أجندة اجتماع اللجنة الوزارية للتشريع يوم الأحد المقبل، 5 نوفمبر/تشرين الثاني، لكنَّ التصويت على القانون لن يجري خلال الاجتماع.
ووفقاً لعضوٍ بارزٍ بالائتلاف، فإنَّ هذا لأنَّ الصيغة الحالية للقانون "ستجلب لنا ضغوطاً دولية وستتضمَّن مشكلاتٍ قانونية جمَّة. لا يمكن لنتنياهو بالسماح للترويج لصيغة القانون الحالية في هذا الوقت".