في زمن مضى ساء اقتصاد أميركا، وتهاوى إلى الحضيض عرشها العاجي الذي كانت تحكم العالم من خلاله، حتى إن هذا الحال المتردي انطوى على سوء لباقي اقتصاديات العالم، وبدا واضحاً أن جلّ الشركات الكبرى وصلت إلى حد الإفلاس.
فيجد المواطن العربي نفسه عند كل منعطف تتأثر فيه الأزمة العالمية التي تمر بها المنطقة، حائراً أمام الإجابة على السؤال المركزي: هل كان النفط المنقذ الوحيد لأميركا من كل أزماتها عامل قوة لنا نحن العرب أم عاملاً لتكريس التبعية؟
ليس هناك من شك بأن هذا المواطن العربي كان يطمح باستمرار لاستخدام النفط العربي كأداة للضغط والمساومة في كل حرب، وبالتالي تسخيره لمصلحة قضايا هذه الأمة، ويعود ذلك إلى طبيعة الظروف السياسية المحيطة بالاقتصاد العالمي التي جعلت من النفط مادة سياسية واستراتيجية بقدر ما هي مادة اقتصاد أو سلعة.
في ظل التطور الذي تعرفه المملكة العربية السعودية من تغيرات وأحداث، يلاحظ أنها تعمل كل ما في وسعها إلى "جرّ"، إن صح التعبير، أكبر عدد ممكن من المشاركين من الدول العربية في هذه القفزة على الشعوب وعلى الإسلام أيضاً.
والظاهر أن السياسة المتبعة في هذا الشأن عنوانها "الغاية تبرر الوسيلة"؛ حيث باشرت المملكة في وضع الدول العربية في أجواء الصيغة المعتمدة للمضي قدماً نحو هذا الانفتاح.
وزار رئيس الوزراء العراقي السعودية خلال اليومين الماضيين، كما أن السعودية أصبحت وجهة عربية ودولية بعد حصارها لقطر، وسكوتها عن الأخبار الواردة ببدء محادثاتها مع كيان الاحتلال الإسرائيلي الأخيرة، وغياب الضجيج حول تداعيات التسوية السورية بالمنطقة وما ستلعبه إيران من ضوء على أثرها، كل هذا وأكثر حولها إلى كيان مشبوه في نظر الكثير من المحللين.
وبهذا المعنى فإن التحرك السعودي المشبوه والمليء بنصف جواب فقط على سؤال المواطن العربي، إنه استجابة لمخاوف هنا وهناك على النظام الإقليمي فهي دولة محكومة بالرؤية الأميركية، في حال حددت هذه الأخيرة قياسها معادلة سلمية مقبلة أو ما بات يعرف بصفقة القرن.
ففي داخل المبادئ التي تأسست عليها بدأت تأخذ صورة الوضع شكلاً آخر، فهناك تبدو سيطرة الدولة على كل المؤسسات والتحكم بكل القرارات، وما استبعاد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلها منظمة تابعة لوزارة الشؤون الإسلامية، إلا لإرسال رسالة اطمئنان للمجتمع الدولي والولايات المتحدة، بأن المانع الديني انتهت صلاحيته بالنسبة إليها، وهذا ما جاء بتصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إبان مؤتمر شباب المستقبل لرؤية 2030 فقال: "لن نضيع ثلاثين سنة من حياتنا بالتعامل مع أي أفكار متطرفة".
هذا التطرف الذي اتخذه العالم حجة لشن حروب هنا وحروب هناك، لم تسلم منه جوانب الثقافة الإسلامية، فهذه هي النقطة التي ستتركز هذه الحرب العشواء الموجهة ضد الماضي والموروث الإسلامي، ومن الواضح أن احتفالات العيد الوطني وما مر بها من انحطاط ثقافي وأخلاقي ليؤكد أن المجتمع السعودي يُقبل على تغيرات وتحولات جذرية، فالصحيح إذن هنا أن السعودية ستكون أسرع بالتخلي عن المنوال القديم حتى لا يفوتها المنوال الجديد، ومن الجدير أن الوضع الإقليمي والدولي لتستند عليه فكرياً قد بات معاكساً لرغبتها في تدمير ما بقي من نظامها القديم.
ترتفع أعلام التغيير والتجديد كأعلام ممزقة ومهانة في كل مكان من العالم العربي، في هذه الزاوية أو تلك، فلقد كتب على الشعوب العربية أن تتعلم أشكال السياط والقمع والسجون، بدل المعرفة والعلم، ومع مرور الوقت حفظت دروساً عن المآسي والقهر والضياع، فشهدت فصولاً فظيعة في الإبادة والقتل هنا وهناك، وأن حكم الطغاة الذي يحدث في السعودية وغيرها من البلاد العربية، لا يستطيع إعطاء نصف الجواب عن سؤال هذا المواطن العربي؛ لأنه قد أبدع لغة التبعية فأصبح بدون نفط، والآن كل عمله هو هندسة الخراب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.