يتولَّى أبوالعباس قيادة أكبر فصيل سلفي في صفوف المقاومة الشعبية في تعز. ويسيطر على معظم الطرق الرئيسية داخل وخارج المدينة، ويتحكم في معظم المؤسسات العامة بصفته المدير المالي للمقاومة، والذي مُول وسُلح على مدار السنوات الثلاث الماضية من قِبل السعودية، والإمارات.
لكن، قد يتغير كل ذلك قريباً، ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، صنَّفت السعودية، وحلفاؤها الخليجيون، وقطر، والولايات المتحدة الأميركية أبوالعباس كأحد الموالين لتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية، وفق ما ذكر تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
فالانقسام الأخير في صفوف أنصار حكومة عبدربه هادي لم يُثر بعضَ التساؤلات الجادة حول سياسة المملكة في اليمن فحسب، بل يهدد أيضاً بجلب مزيد من العنف إلى المدينة، في منطقة عانت لسنوات، ولا تزال تعاني من الحصار والحرب والقصف.
كان أبوالعباس، واسمه الحقيقي عادل عبده فارع، واحداً من بين أول 11 عنصراً استهدفهم المركز الأميركي السعودي لاستهداف تمويل الإرهاب، الذي أُسس في مايو/أيار الماضي، المنوط به تجميد الحسابات التي يستخدمها أبوالعباس في صرف الأموال التي تُحول له من الممولين الخليجيين.
تواجه كتائب أبوالعباس في مدينة تعز في الوقت الراهن أعداء من كافة الاتجاهات، فهناك الحوثيون الذين تقاتلوا معهم لسنوات، والأطراف المنافسة على السلطة داخل المقاومة الشعبية، ومن المتوقع حالياً استهدافهم أيضاً من قبل التحالف الذي تقوده المملكة، وربما الولايات المتحدة أيضاً.
تقول وزارة الخزانة الأميركية، إن أبوالعباس يمثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فرع اليمن، كما أنه يقدم الدعم لتنظيم الدولة الإسلامية في أرض اليمن.
وأشارت بعض التقارير إلى أنه "في وقت مبكر من عام 2017، تولى فارع -الذي يُعد مدرباً عسكرياً بارزاً في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية- قيادة مجموعة مسلحة تتكون من قرابة 2000 مقاتل، تابعة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وقد استغل فارع علاقاته في توفير الأموال اللازمة لتمويل عمليات تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من داخل مدينة تعز، ومن خارج البلاد".
وتضيف هذه التقارير أن "فارع قام أيضاً بدفع أموال أواخر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2016، للعديد من المقاتلين السُّنة، ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن المتواجدين في مدينة تعز، لضمان استمرار دعم أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن في مدينة تعز".
وصرَّح أحدُ المقاتلين في كتائب أبوالعباس لموقع Middle East Eye، بأن الجماعة المسلحة تشعر بالصدمة الكبيرة من إدراج السعودية لها على قائمة الجماعات الإرهابية.
وقال: "لقد تلقَّينا أموالاً من التحالف الذي تقوده المملكة، ونسَّقنا استهداف الحوثيين مع قواتهم الجوية".
وأضاف قائلاً: "إنهم يُمدوننا بالأسلحة. كما يعقد أبوالعباس اجتماعاتٍ شهريةً مع قادة التحالف في عدن. كان آخرها في وقت سابق من هذا الأسبوع".
ويقول: "إذا كان قائد جماعتنا ينتمي إلى تنظيم القاعدة، أو تنظيم الدولة الإسلامية، فإن هذا يعني أن التحالف الذي تقوده المملكة يدعم تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية".
وأشار أيضاً إلى "أنه من الآن قد أصبحنا طرفاً ثالثاً في الحرب اليمنية. ولدينا عدوَّان أساسيان؛ الحوثيون ودول الخليج"، لكنه أضاف أنه لا توجد خططٌ حالية لمواجهة "العدو الجديد" إذا لم يستهدفهم.
ميزان القوة
قد يؤدي إدراج أبوالعباس على قائمة الإرهاب إلى آثار خطيرة على ميزان القوة في مدينة تعز، إذ يطالب خصوم أبوالعباس، بمن فيهم حزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين، بإزاحته عن السلطة.
ويقول عصام، أحد أعضاء حزب الإصلاح في تعز "يعتبر أبوالعباس نفسه حاكم مدينة تعز، وعندما زار مبعوث حكومة عبدربه هادي المدينة، في وقت سابق من هذا الشهر، رفض أبوالعباس تسليمه إدارة المؤسسات العامة".
ويضيف عصام قائلاً: "نحن لا نريد أن تتولى الميليشيات المسلحة مقاليد السلطة في تعز، بل نريد قوات حكومية توقف هذه الميليشيات عند حدها، وتتولى سلطة المؤسسات العامة. على هذه الميليشيات أن تتفرغ للمعارك، وتترك أمر الحكومة للآخرين".
ويقول: "نحن غير راضين عن العقوبات التي يواجهها أبوالعباس، لكننا نريد ضغطاً دولياً لإجباره على التعاون مع حكومة عبدربه هادي".
وعلى الرغم من ذلك، يدعم أعضاء حزب التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري أبوالعباس في انتصارات مسلحيه على الحوثيين، ويقولون إنه الرجل الذي يحمي مدينة تعز.
وصرَّح خاطر راجح، أحد أعضاء الحزب لموقع Middle East Eye قائلاً: "إن السلفيين هم أكبر قوة في مدينة تعز، إلا أن السعودية لا تريد أن ترى قوة مستقلة كبيرة في تعز".
ويقول إن هذه التهمة التي رُمي بها أبوالعباس، ستعود بمشكلات جديدة على المدينة، مؤكداً أن هدف السعودية هو عدم تحرير مدينة تعز من قبضة الحوثيين.
ويضيف راجح: "قد يوقف التحالف السعودي الدعم المادي، إلا أن أبوالعباس قادر على مواصلة القتال من خلال تعاونه مع حلفائه المحليين".
تاريخ الحرب
لم تكن معركة تعز أولى معارك أبوالعباس. فقد كان أحد الطلاب السلفيين في مدرسة دار الحديث بمدينة دماج شمالي اليمن، عندما حاصرها الحوثيون للمرة الأولى عام 2011، ثم اجتاحوها أخيراً عام 2014، ما أجبر أبوالعباس على الفرار مع آخرين إلى تعز.
وأثناء عودة أبوالعباس إلى مسقط رأسه، شكَّل كتيبته الخاصة من المقاتلين السلفيين، وقاتل من أجل رفع الحصار الحوثي عن المدينة. وقد أصبح في هذه المرحلة رجل السعوديين وحلفائهم الإماراتيين المفضل، فأغدقوا عليه الأموال، ووفَّروا له كافة أشكال الدعم.
اعترض أبوالعباس نفسه على مزاعم موالاته لتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية. فمن خلال مقابلة صحفية أُجريت معه، في ديسمبر/كانون الأول، صرَّح لإحدى وسائل الإعلام اليمنية، أن أنصاره من السلفيين يرفضون الفكر المتشدد لكلا التنظيمين، بما في ذلك سياستهما في وصم غيرهم من المسلمين بالمرتدين.
أما معارضته لحزب الإصلاح -الذي تدهورت علاقته مؤخراً مع القوات المدعومة من الإمارات في عدن- فساعدت في تقرُّبه من مموليه في الرياض وأبوظبي.
ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتهم أبوالعباس بعضَ قادة حزب الإصلاح في تعز بسرقة أموال المقاومة الشعبية.
وقد أكد المقاتل السلفي، الذي تحدث إلى موقع Middle East Eye، أن انهيار التحالف مسألة وقت.
وقال: "عندما دعمتنا السعودية لم نرفض هذا الدعم، لكننا لا نقاتل لحساب المملكة".
وأضاف: "لم يدعمنا السعوديون عندما حوصرنا في دماج، ما أصابنا حينها بخيبة أمل كبيرة. وها هي خيبة أمل أخرى".
ويقول سكان مدينة تعز، إنهم يعرفون أن هناك مقاتلين تابعين لتنظيم القاعدة في المدينة، إلا أنهم يؤكدون أن كتائب أبي العباس ليست من بينهم.
وصرَّح فارس نبيل، أحد قاطني حي الثورة، قائلاً: "يأتي مقاتلو كتائب أبوالعباس لشراء احتياجاتهم من متجري، وأعرف بعضهم بصفة شخصية. إنهم يختلفون عن فكر تنظيم القاعدة".
وأضاف نبيل: "هناك بعض قادة تنظيم القاعدة في محافظة تعز وغيرها من المحافظات، إلا أن الولايات المتحدة لم تتهمهم. لا بد من وجود خَطْب ما يتعلق بأبوالعباس".
من جهة أخرى، يقول أنصار الحوثي، إن إدراج أبوالعباس على قائمة الإرهاب يُعد دليلاً على صحة ما ادَّعته الحركة طوال الفترة الماضية، أنهم كانوا يقاتلون تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية في تعز وغيرها من محافظات اليمن.
وقال جمال الدين، الذي يعيش في صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون: "لم يصدقنا المجتمع الدولي طوال الفترة الماضية". ثم استطرد قائلاً: "حسناً، لقد اعترفت السعودية بدعمهم الآن. ستنهار أي تحالفات معادية لليمن. وهاهو آخر تحالف ينهار. سينتصر فقط من يحاربون لصالح بلادهم".