حواريّونا.. شيطنوا الغرب بأعيننا حتى استهوتنا ذنوبنا

يحدثني زميل لي في لندن مستهجناً سلوك بعض الجاليات هناك، فيقول: إن منطقة شرق العاصمة البريطانية يسكنها مقيمون عرب لطالما يسارعون بمضايقة وطرد أي فتاة لندنية تمر بشارعهم لمجرد أن ملابسها غير محتشمة، فيما يحرص سكان هذه المنطقة نفسها على أن يتواجدوا عند الشواطئ في العطل.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/28 الساعة 04:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/28 الساعة 04:10 بتوقيت غرينتش

ساعات قضيتها أتنقل بين صفحات ومواقع الإنترنت، وأنا أحاول جاهداً أن أعثر على ما أثبت به انطباعاتي للقارئ، وأكشف حقيقة مفادها أننا خُدعنا طوال عقود مضت بأن مجتمعات الغرب متوحشة تفتقد للإنسانية التي كُرِمنا بها نحنُ فقط دون سائر البشر، فحاولت مراراً أن أغيّر من صيغة العبارات ونسقها ضمن محركات البحث على الشبكة العنكبوتية لعل هناك ما يخبئه الأرشيف من مضامين تفضح سياسة التثقيف السائدة في عالمنا العربي، عبر التركيز على استعراض الأوجه القبيحة لأوروبا وأميركا على السواء، ولكن الغريب أن نتائج البحث كانت بالمقابل غارقة بمئات إن لم تكن الآلاف من المقالات والتحقيقات التي تتحدث عن جرائم الكراهية لدى الغرب ضد المسلمين.

ورغم إدراكي لطبيعة المحتوى، لكنني آثرت أن أطلع على بعض تلك الكتابات لعلي أكون على خطأ، فأغيّر من قناعاتي وأطبّل مع المطبلين هاتفاً الموت للغرب الكافر، فما خاب ظني حين تصفحت وريقات ما وجدت وإذا بمواقع معروفة وأصحاب أقلام أكثر شهرة يخوضون مع الخائضين ويسطرون العبارات الإنشائية وكل ما يثير الشجون ويروج للمظلومية بأننا شعوب منسية لا حقوق مدرجة لنا ضمن القانون الدولي.

ولكي يثبت بعضهم ما ذهب إليه، وأن الغرب امتهن جرائم الإبادة فقد استشهدوا بما تعرض له الهنود الحمر في أميركا، فضلاً عما ارتكبته قوى الإمبريالية بحق شعوبنا إبان فترة الحربين العالمية الأولى والثانية، وكأن تاريخنا كان ناصعاً لا تقطر من جوانبه الدمُ ولا للسيوف صليلٌ بترت أنصالها خير الرقابِ أو أن معظم مآسينا اليوم ليست بسبب صراعات عربية – عربية تغذيها مزاعم الكره والضغينة.

أما آخرون فقد أخذوا على عاتقهم جهد إيراد أرقام وإحصائيات بعدد حالات الاعتداء والاغتصاب الجنسي في الغرب عازياً ذلك بأنه إفرازات الانفلات والإباحية التي منحتها الديمقراطية للشعوب الغربية، ولكنهم تسمروا ووقفوا عاجزين في الرد على تقارير لمنظمات أممية وأخرى محلية أكدت أن عدد المصابين بمرض نقص المناعة المكتسب "الإيدز" في العالم العربي بلغ نحو نصف مليون شخص، بحسب تصريح لمبعوث الأمم المتحدة ومستشار مكتب الأمين العام الإقليمي لمكافحة الإيدز الدكتور "حميد رزافتايش"، الذي أكد أن الارتباطات والعلاقات غير الشرعية التي تتم دون فحص طبي هي السبب الرئيسي لانتشار هذا المرض.

علماً أنها إحصائيات نُشرت قبل نحو 6 سنوات من الآن، أي أن الكارثة بلغت مداها الذي دفع بعض الجهات المسؤولة للتعتيم على الحقائق.

وفي اليوم العالمي للمرأة ووسط أوضاع مزرية للنساء في الوطن العربي بين أسيرة وأخرى معتقلة وثالثة تتعرض للعنف والانتهاكات، فآخر إحصائيات لهيئة الأمم أواخر عام 2016 أكدت أن نسبة العنف ضد النساء في العالم العربي بلغت 37% فيهن من تعرضن لعنف جسدي أو جنسي لمرة واحدة في حياتهن على الأقل، وأن 14% من الفتيات تم تزويجهن قبل بلوغهن سن الـ18 عاماً.

تناقضات لا محدودة ومساقط معيبة وقع فيها حواريونا العرب وهم يسعون لشيطنة الغرب ظناً منهم أنه أسلوب ناجع لصرف أنظار مجتمعاتنا عما بلغته تلك البلدان من تطور قطعوا فيه أشواطاً لضمان تقديم أفضل الخدمات لمواطنيهم، وبما يسهل لهم أمور معيشتهم.

فسعى مَن عدّوا أنفسهم أوصياء علينا بأنهم ملزمون بتحصيننا مما يصفونه بالفتن العابرة للحدود عبر تزييف الوقائع وإطلاق صرخات التحذير من غزو فكري لثقافتنا، وهو شرّ لم يرَ فيه العباسيون خطراً حين استجلبوا آلاف الكتب الإغريقية واللاتينية لتترجم إلى العربية، وتوضع بمتناول أيدي طلاب العلم في بغداد.

لست هنا بمحل تمجيد الغرب والتنكيل بالعرب، ولكني أرى أن الوقت حان للاستيفاق من مفعول المورفين وعدم استحسان معاصينا واستخفاف ما لحق بنا وأخلاقنا من كوارث هوّن منها أصحاب الرأي لمجرد أننا عرب مسلمون موحدون خُلقنا لنخطئ فنستغفر فيغفر لنا.

ولا ضرر إن تخلفنا وجُعنا وتعرينا وهجرنا فإننا ممتحنون مزكون، كما أنني لست بملزم للعلن "توماس ألفا إديسون" مخترع الكهرباء الذي باتت مساجدنا تضيء توهجاً بمصابيح اخترعها لمجرد أنه من الغرب المتوحش.

كما أنني لست ملزماً في الوقت نفسه بالسكوت وعدم استنكار فتوى يصدرها شيخ يتكلم عن جواز مضاجعة الرجل لزوجته الميتة رهبة من مقولة لحوم العلماء مسمومة!

فإن صدق الخبر وتبين أن الشعوب الغربية تضمر الكراهية لنا، فعلينا أن ندرك أن الخلل فينا نحن حين تربصّنا لهم بالبغضاء، وسخرنا من أنظمتهم المدنية التي كان العدل أساس الحكم فيها، ونسينا أو تناسينا أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو أول مَن وضع ركائز الدولة المدنية التي صانت حقوق الناس بمختلف مشاربهم.

وعلى هذا سار من بعده الخلفاء الراشدون وأصحابه الغر الميامين، ولنا في التاريخ أسوة، فثلاثة من خيرة من تفتخر بهم الأمة اعتنقوا الإسلام ونفعوا العالم بعلمهم، فحين دخل القائد خالد بن الوليد إلى منطقة "دومة الجندل" وجد فيها كنيسة "عين التمر" وقد أودع فيها ثلاثة غلمان لدراسة الإنجيل ونشر المسيحية في أرض العراق وجزيرة العرب، وأسماؤهم "سيرين، يسار، نصير"، فلم يهدم خالد الكنيسة ويسبي هؤلاء الغلمان، بل منحهم الأمان، فأسلم الأول وأنجب "محمد بن سيرين"، وهو من أئمة التابعين في الحديث والفقه وحتى تفسير الرؤى، وأسلم الثاني وأنجب "إسحاق أبو محمد بن إسحاق بن يسار" صاحب كتاب السير والمغازي المعروف باسم (سيرة ابن إسحاق)، وأسلم الثالث وأنجب "موسى بن نصير" فاتح الأندلس وشمال إفريقيا.

يحدثني زميل لي في لندن مستهجناً سلوك بعض الجاليات هناك، فيقول: إن منطقة شرق العاصمة البريطانية يسكنها مقيمون عرب لطالما يسارعون بمضايقة وطرد أي فتاة لندنية تمر بشارعهم لمجرد أن ملابسها غير محتشمة، فيما يحرص سكان هذه المنطقة نفسها على أن يتواجدوا عند الشواطئ في العطل.

وأستذكر هنا ما أورده عالم الاجتماع العراقي "علي الوردي" من قصة في كتابه الذي يحمل عنوان "مهزلة العقل البشري"؛ حيث قال: إن رجلاً مسناً وبصيراً كان يسأل الناس عن شكل الهلال في السماء؛ ليستعلم منهم بذلك التوقيت الهجري، ولكن أهل الحي استغربوا توقف الرجل لبضعة أشهر عن طرح سؤاله، وحين استفسروا منه عن السبب، قال لهم: إن القمر دُنس بعد أن نزل عليه الأميركان، ولهذا لم يعد يعتمده لمعرفة التوقيت، ولربما لو كان مبصراً لما وجد حرجاً في أن يرتدي بيده ساعة صُنعت في سويسرا المتوحشة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد