مقترحات لإصلاح آخر ما تبقَّى من وطن! (2)

إذا كنت سياسياً فلا تُشعل فتنة دهماء لتنال مكانة عند دولة أخرى مجاورة أو بعيدة، لها مصالح جيوسياسية في بلدك، ﻷن الدماء التي ستسيل بسببك أنهاراً ستلعنُك وذريتك إلى أبد اﻵبدين، وﻻت حين مندم، ﻻ تصمت دهراً حين يقتل أهلك ويهجر ناسك وتنتهك حرمات مدينتك وتغير معالم محافظتك جغرافياً وديمغرافياً، ثم تنطق كفراً عندما يَطلب منك المحرِّض -تصريحاً- مدفوعَ الثمن دفاعاً عنه.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/25 الساعة 04:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/25 الساعة 04:24 بتوقيت غرينتش

إذا كنت سياسياً.. إليك نصائح بخلاف الميكافيلية؟!

التقيتُه ذات يوم مُنكبَّاً على الصفحة ما قبل اﻷخيرة لصحيفة محلية -أربع نسخ منها بـ250 ديناراً- يحل بشغف الكلمات المتقاطعة، التي ظهرت لأول مرة عام 1913 في صحيفة "نيويورك ورلد" الأميركية، وما إن رآني حتى سألني ببلاهة وهو شارد الذهن، يشيح ببصره بعيداً عنّي، وأخاله كان ينظر إلى خمس ﻻفتات نعي سوداء بتواريخ مختلفة، لخمسة شبان بعمر الورود، فقدوا حياتهم خطفاً واغتيالا ومرضاً بأماكن مختلفة، معلقة على الجدار الخلفي المائل، والمتكئ على مكبِّ النفايات لمدرسة ابتدائية متهالكة، تحمل اسم "الشهيد فلان الفلاني".

فيما كان الطلبة يرفعون العلم الذي لم ير -التايت- منذ عامين، ولكن من غير إطلاق رصاص كما في السابق، ﻻ ﻷن الرصاص أصبح محرماً وظاهرةً غير حضارية -موعيب- بل ﻷنه بات مخصصاً للقتل والاقتتال الجماعي، وللمآتم والأعراس والعراضة العشائرية، إضافة إلى فوز المنتخب العراقي -بالدفرات- في بطولة كروية ما، بدلاً من الاحتفاء بالعلم: (كلمة من خمسة أحرف؟!)

قلت: سياااااسة، على وزن نجااااااسة!
قال مبتسماً: أحسنت، سياسة، سيفعل ممتهنها أي شيء للحفاظ على وظيفته، حتى لو اضطر لأن يصبح وطنياً، كما يقول ويليام رونالدولف، لحين أن "يفقد الوطن بكارته"، على حد وصف نزار قباني، و"تحول كل قبيلة فيه إلى أمة بذاتها" كما يقول جبران خليل جبران!

كلمات مربِّي اﻷجيال المتقاعد غير المتقاطعة تلك، الذي تجاوز عمُره السبعين عاماً ونيفاً ظلَّت ترنّ في أذني، لعلمي أنه قالها عن وعي تام في بلد يضم اليوم 330 حزباً، يرجح أن تصل إلى 500 بناء على قانون الأحزاب المتساهل رقم (36) لسنة 2015، بحسب خبير قانوني. كلمات قالها المربي الفاضل بعيداً عن مقدمات الزهايمر التي بدأت تزحف كدبيب النمل إلى رأسه الخالي من الشعر، المملوء بالمعرفة، وباﻷخص أنه مؤلف ومحقق لـ50 كتاباً أو أكثر!

ولكي ﻻ تصبح السياسة عاراً يُلاحِق أصحابها لكثرة ما لصق بها وبهم في العراق من آثام ورزايا ومفاسد، يستغيث من هولها أهل الأرض قبل السماء، وبخلاف الميكافيلية التي تبرر الوسائل للوصول إلى الغايات، أقول:

إذا كنت سياسياً فلا تُشعل فتنة دهماء لتنال مكانة عند دولة أخرى مجاورة أو بعيدة، لها مصالح جيوسياسية في بلدك، ﻷن الدماء التي ستسيل بسببك أنهاراً ستلعنُك وذريتك إلى أبد اﻵبدين، وﻻت حين مندم، ﻻ تصمت دهراً حين يقتل أهلك ويهجر ناسك وتنتهك حرمات مدينتك وتغير معالم محافظتك جغرافياً وديمغرافياً، ثم تنطق كفراً عندما يَطلب منك المحرِّض -تصريحاً- مدفوعَ الثمن دفاعاً عنه.

ﻻ تغازل جمهورك بما يتطلعون إليه جهراً وتعمل بالضد منه بالاتفاق مع أعدائه من خلف الكواليس سراً -تره ماكو شي ينضم- ﻻ تُوقِد حرباً تلو أخرى، مبدأها كلام وتقامر بأتباعك ها هنا وهناك، وكلما أطفأ الله تعالى ناراً للحرب سعرّت نيرانها مجدداً مع سبق الإصرار والترصد، وعلى جمهورك أن يعلم أنك سياسي، ومن صفات السياسي كما يقول، كاسكي سيتنيت: "هو ذلك الشخص الذي يمكنه أن يقول لك عبارة (اذهب إلى الجحيم)، بأسلوب يجعلك تتطلع تلقائياً إلى تلك الرحلة"، وبالأخص إذا كان المومأ إليه يدفع نسبة من -طحين الحرب وغنائمها- إلى واعظه -ولكل حزب وتيار وكتلة وتحالف- راسبوتينه المدنس ﻻ المقدس، الذي يعمل على إضفاء الشرعية والقانونية على القرارات والسرقات والاختلاسات السياسية، وإن أدت إلى هلاك اﻷُمَّة وضياعها بأسرها، وإن ضربت بعرض الحائط كلَّ تعاليم السماء، ما دامت النسبة المادية والاعتبارية محفوظة.

ﻻ تنتقد بعد كم الظلم والطغيان والدناءة والإقصاء والتهميش الذي ارتكبته بحقِّ شركاء الوطن، إعلان اﻵخرين عن رغبتهم الجامحة بالانفصال عنك، وعن هرائك اللامتناهي، الذي يتجدَّد مع كل دورة -انتحابية- وﻻ أقول انتخابية، إن كنت حزيناً لفقدهم ورحيلهم وانفصالهم حقاً، فاشرع فوراً وأثبت حسن نواياك قولاً وعملاً وتقريراً -مو حجي جرايد- أجب بنفسك عن تساؤلات جمهورك الحائرة، وعن الشكوك التي تُثار من حولك ضدك، واكتبها للتأريخ بصدق وأمانة، وﻻ تترك لخصومك فرصة كتابتها، ﻷنهم سيلعنونك بمعية جمهورك الذي خدعته طويلاً مع اللاعنين.

وﻻؤك يجب أن يكون لبلدك وشعبك، حرصاً على ثرواته ومستقبل أبنائه فحسب، ﻻ للأجنبي الذي تحمل جنسيته الثانية، وربما الثالثة، والذي نصبك ببركات وعاظ السلاطين بأكاذيب لم تصمد أمام الحقائق حتى يومنا هذا، صحيح أن "رجل السياسة لا يصدق أبداً فيما يقوله، وأنه يفاجأ إذا ما صدقه أحد"، كما يقول شارل ديغول، إﻻ أنه يتوجب عليك أن تصدق هذه المرة، ﻷن أعداد النازحين والمشرَّدين والفقراء والمساكين والعاطلين والمعاقين تجاوزت من جراء أكاذيبك الـ10 ملايين، فماذا ستقول غداً أنت وواعظك المكار يا عابد المنصب والدولار، لرب العالمين المنتقم الجبار؟! أودعناكم أغاتي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد