علماء السلطان بين المنافع والمقاصد

بعد العهد النبوي والراشدين بدأ دور العلماء بالتشوه والانحراف لتلك المفاهيم التي ذكرناها، فتحول الحكم إلى الاستبداد بالسلطة دون الجماعة، وقد ذكر -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/24 الساعة 04:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/24 الساعة 04:21 بتوقيت غرينتش

إن من مَهامّ العالِم -كما هو معروف- في المجتمعات الإسلامية، بيان أوجه الصواب من الخطأ، كبيان المقاصد الشرعية لبعض القضايا على مر الزمن، والاجتهاد في البعض الآخر فيما لا نص فيه للوصول بالمجتمع والأمة إلى برّ الأمان، وإبعاد الناس عن الشبهات.

لذا فالعالم هو صفوة المجتمع، وأكثرهم علماً ودراية، قال تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات".

فمنذ خلق سيدنا آدم إلى مبعث الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بالإسلام، وقيام الدولة الإسلامية، لم يغِب دوره، فكان دوره لا يقتصر على المسائل الدينية فحسب، بل السياسية أيضاً، متمثلة بشخص الرسول وصحابته العلماء الأجلاء، ومع ذلك فكان -صلى الله عليه وسلم- يستشير الصحابة في كثير من الأمور، واتبعه الخلفاء الراشدون بذلك.. "وأمرهم شورى بينهم".

بعد العهد النبوي والراشدين بدأ دور العلماء بالتشوه والانحراف لتلك المفاهيم التي ذكرناها، فتحول الحكم إلى الاستبداد بالسلطة دون الجماعة، وقد ذكر -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً..".

فعلى تطور هذه الأحداث ظهر دور العلماء في ثلاث أقسام:

الأول: مَن تمسك بدينه ودفع حياته أو نال قسطاً من التعذيب في سجون السلاطين نتيجة لمواقفهم الجريئة من دون تسييس الدين/ كأمثال سعيد بن جبير مع الحجاج، والإمام أحمد.

والثاني: هو عالم السوء، وهذا يضر نفسه أكثر من إضراره بالمجتمع.

أما الثالث فهو عالم السلطان الذي يعم فساده على العباد والبلاد نتيجة لتقربه من سلطان متجبر جائر، قال سيدنا علي رضي الله عنه: (نعم العلماء على أبوابها الأمراء، وتعس العلماء على أبواب الأمراء)، فقد تجسدت تلك الخصال في الكثير من العلماء على مر العصور؛ حيث إنهم آثروا منافعهم الشخصية ليتقربوا من السلاطين، ليدفعوا شعوبهم وبلدانهم إلى الهلاك، حيث أفتى بعضهم بأنه لا يمكن الخروج على الحاكم وإن كان فاجراً أو متجبراً، واعتماد بعضهم على قاعدة:

درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، حتى الوصول إلى ما بعد سقوط الخلافة العثمانية وتقسيم الدول العربية، وصولاً لعصرنا الحالي حيث نجد الكثير من المتغيرات على الساحة السياسية للشرق الأوسط والوطن العربي، بالأخص بعد سيطرة تنظيم الدولة (داعش) على مناطق واسعة من الأراضي العربية والإسلامية، وخسارته لبعضها، أدى ذلك إلى تغيير الكثير من الفتاوى، وتحوّل الأمور التي كانت محرّمة إلى محلّلة، وزج بالكثير من علماء الحق في السجون، أتت تلك المتغيرات نتيجة تغير سياسة تلك الدول الخارجية مع الدول العظمى كالولايات المتحدة ودول أوروبا، وآخرها ما جاء في فرض الحصار على قطر، وقبلها مساندة انقلاب مصر، حتى جاءت آخر الفتاوى التي أثارت جدلاً في الشارع العربي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة في المملكة العربية السعودية، بعد أن كانت محرّمة.

كل هذه التناقضات أدت بالكثير من الشباب في عصرنا الحالي للتوجه للإلحاد لفقدانهم المصداقية في أولئك العلماء، فخطر علماء السلطان يؤدي إلى خراب تلك المجتمعات، في عصر نحاول فيه الحفاظ على ما تبقَّى من شبابه دون خسارة لبعضهم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد