إن المجتمع المسلم في سائر بلاد المسلمين يمر بمرحلة انهزام أخلاقي عام، وقد تفككت أواصر المجتمعات الإسلامية فصارت مُمَزَّقَة مُشَتَّتَة مُتَنَازِعَة.
إن الانحطاط الأخلاقي ظاهر غالب في أكثر مجتمعات المسلمين، وفي بعض هذه المجتمعات تجد الانحطاط مُتَجَذِّراً فيها من القاعدة حتى الرأس التي هي أشد انحطاطاً وفسقاً وفجوراً.
وهذا لا يمنع من وجود الصالحين، لكنهم بين ساكنٍ صامتٍ مَحزُون، أو مُطَارَدٍ مَنبُوذ، أو سجينٍ مقهور، أو مُستَسلِمٍ مُسَالِمٍ على خوف ورعب مَهزُوم.
لقد صارت المجتمعات المسلمة أكثرها تَلفَظُ وتَنبِذُ الصلاح والصالحين، لم يَعُد نَبذُ الصالحين يقف عند الرؤوس الفاسقة الفاجرة، بل إن عَوَامَ المجتمع المسلم وخَوَاصّه صاروا يَنبِذُون ويَلفَظُون الصالحين، وصاروا يَتَجَنَّبُونهم ويَفِرُّون منهم كأنهم جُرب، وذلك خَوفَ الشُّبهَة التي قد تَطَالُهُم إن هم جَالَسُوهم أو اقتَرَبُوا منهم وسَمِعُوا لهم؛ إذ إنهم مَرصُودُون مُرَاقَبُون.
فقد صار الناس بعضهم على بعض عُيُوناً، فالأبُ قد يُسلِمُ ابنه لِطَاغِيَةٍ جَبَّار إذا اشتَبَهَ أنه تَفَاعَل مع الإخوان أو سَلَكَ بَعضَ مَسَالِكِهِم وأَحوَالِهم.
وصار الجَارُ يَرقُبُ جَارَه ويَدُلُّ عليه، وصار زَمِيلُ وقَرِينُ الجَامِعَة يَشِي بِزَمِيلِه وقَرِينه.
ودَبَّ الشِّقَاقُ والتَّنَازُعُ بين الإخوة، واشتَعَلَ الرَّيبُ في نفوس الناس، فَلَم يَعُد أَحُدٌ يَأمَنُ أحداً؛ فَنَبَتَت بينهم الضَّغِينة، وشَبَّ العَدَاءُ بين الناس واشتَدّ حتى صار دَاءً عُضَالاً.
فهل يمكن لمجتمع كهذا أن يَتَّجِهَ إلى الإصلاح ويأخذ بأسبابه؟
والحالُ تُنبِئُكَ بالجَواب:
مِنَ المُستَحِيل ذلك إلا أن يشاء الله شيئاً.
قال الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَم يَكُ مُغَيِّراً نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم}.
فإذا قلتَ: فَلنَبدَأ بالقَاعِدَة ونَجتَهِد في إصلاحها.
قلتُ: إنَّ ما يَبنِيه آلاف المُصلِحِين في عُقُود يهدمه فاجر واحد في ساعة.
ولا أَقصِدُ بذلك أن نَترُكَ العمل والدعوة إلى الصلاح والإصلاح، فإن ذلك من الواجبات ومن الأسباب التي يجب الأخذ بها؛ لأنها إن تَعَطَّلَت في المجتمع، فلم يَعُد فيه مَن يَأمُرُ بمعروف، ولا مَن يَنهَى عن مُنكَر هَلَكَ المجتمع ومَن فيه جميعاً.
فإنَّ اللَّعنة حَلَّت ببني إسرائيل ونزلت عليهم؛ لأنهم كما قال رَبُّ العزة: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ}، وقال نَبِيُّنا صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتَأمُرُنَّ بِالمَعرُوفِ، وَلَتَنهَوُنَّ عَنِ المُنكَرِ أَو لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عِقَاباً مِن عِندِهِ، ثُمَّ لَتَدعُوُنَّهُ وَلَا يَستَجِيبُ لَكُم" صححه الألباني.
ويأتي السؤال: ألا خَلاص؟
ألا أَمَلَ في الصَّلاح والإصلاح؟
ونقول: بلى، إنَّ الخلاص آتٍ، وقريب إن شاء الله هو آتٍ.
إنَّ كلَّ الدلائل تدل على أن الخلاص قريب، وما يجري مِن أحداث ينطق ويقول إنَّ الخلاص آتٍ وقريب، والفجر أوشك أن يُطِلَّ، وسوف تَسطَعُ شمس الإسلام من جديد، ولَيَنصُرَنَّ الله الحق وأهله، ولَيَخذُلَنَّ الله ولَيُهلِكَنَّ الباطل وأهله.
فمِن أين نبدأ؟
إنَّ العمل يجب أن يكون في اتجاهين مُتَوَازِيَين:
الأول: القَاعِدَة العَرِيضَة -الناس- في المجتمع: ويكون بالدعوة بالحُسنَى، بدعوة الناس إلى الهدى والحق بالحسنى والكلمة الطيبة، والصبر عليها، وإيقاظ القلوب الغافلة، وكَشف الغطاء عن العقول، وإزالة الحُجُب عن العيون.
الثاني: جهاد الطغاة والفسقة
وجهاد الطغاة هنا ليس بالسلاح بل بالجهر بكلمة الحق وإلقائها قوية وشجاعة في وجوه الطغاة والفَسَقَة الفَجَرة، والوقوف لهم بالمِرصاد، والجهر بل والصراخ بقول الحق وتأييده ونُصرَتِه، ودَفع المُنكر بالكلمة القوية الجريئة التي لا تخشى في الله لَومَةَ لائم، والصبر على ذلك صبراً عظيماً، وتَحَمُّل العواقب والابتلاءات ابتِغَاء وجه الله.
أما حمل السلاح ضد البُغَاة الطغاة الذين يَقبِضُون على الأمر في بلاد المسلمين، والمواجهة الشاملة بالقوة، فإنَّ مَفَاسِدَ ذلك أكثر من مَنَافِعَه، بل إنه لا مَنفَعَةَ له بل كله مَفَاسِد وهلاك للحرث والنسل في المجتمع المسلم.
وعادة ما يجتهد الطغاة في دفع الثائرين ضدهم إلى الانتقام وحمل السلاح، فلا يُغَرِّرُوا بكم، ولا تقعوا في فِخَاخِهم؛ فإنهم يريدون منا أن نحمل السلاح فيكون ذلك مُسَوِّغاً لهم للتَّقتِيل والتدمير، فيجب علينا أن نَضبِط أنفسنا ونصبر على البلاء والابتلاء.
إن الإصلاح انطلاقاً من القاعدة العريضة في المجتمع ليس مُتَاحاً مُيَسَّراً؛ إذ يقف دونه جيش جَبَّار عَاتٍ من الطغاة والفسقة الفجرة يهدم كل ما يبنيه المصلحون، نعم إنه لا بد من التوجه نحو القاعدة ودعوتها والاجتهاد في إصلاحها، وإن لذلك ثماراً نحتاجها على طريق التأسيس والإصلاح وعلى طريق دفع الطغاة البغاة، ولعل دعوة القاعدة العريضة في المجتمع المسلم هي أساس البناء.
لكن الإصلاح لن ينجح وهؤلاء الطغاة قائمون على رؤوسنا؛ إذ إنهم يهدمون كل فرصة للإصلاح، فلا بد من التغلب عليهم، والإمساك بزِمَام الأمر ووضعه في يد أهله، وحين يتولى الصالحون سيكون إصلاح وتربية القاعدة العريضة في المجتمع المسلم متاحاً ميسراً.
والأمر في مصر وفي كثير من بلاد العرب يختلف عنه في سوريا، ويختلف عنه في ليبيا، فإن الصراع في سوريا ضد الهوية الإسلامية، ولصالح قيام دين الروافض ودولتهم مقام إسلام أهل السّنّة الذين دينهم هو الإسلام، ولا إسلام إلا دينهم، أما في ليبيا فإن اليد العليا فيه لقوى الإسلام التي تتعرض للتقويض من قِبَل الفسقة الفجرة من أذناب القذافي الذين هم بدورهم أذناب لبلاد الكفر الذين سَلَّطُوا علينا أمثال السيسي وحفتر، قتل الله كل سيسي، وكل حفتر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.