سكانها صُعقوا بما شاهدوه بعد طرد داعش منها.. الدمار في الرقة يمحي معالم المدينة السورية

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/21 الساعة 02:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/21 الساعة 02:52 بتوقيت غرينتش

تنهمر الدموع على وجنتي آسيا المليئتين بالنمش وهي تنظر من حولها إلى الزجاج المتناثر والمحال المهدمة والمقاهي المهشمة، في ما كان سابقاً شارعها المفضل للتسوق في مدينتها الرقة الواقعة شمال شرق سوريا.

وفي المقعد الخلفي لسيارة تتجول ببطء في شارع تل أبيض في مدينة الرقة، تقول آسيا (35 عاماً) "هذه كانت أحلى بلد، يا الله".

وتطل من نافذة السيارة إلى الشارع، وتضيف "انظروا حولنا، انظروا إلى منازلنا (…) كيف سنستطيع العيش؟".

وآسيا من المدنيين القلائل الذين تمكنوا أمس الجمعة 20 أكتوبر/تشرين الأول 2017 من دخول مدينة الرقة، بعد ثلاثة أيام على دحر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منها، وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهي فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن، عليها بالكامل.

وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية الجمعة في احتفال في الملعب البلدي في وسط المدينة رسمياً "تحرير" المدينة التي وصفتها بـ"عروس الفرات". لكنها أكدت عدم قدرة المدنيين على العودة إليها إلى حين الانتهاء من عمليات التمشيط وإزالة الألغام المنتشرة فيها من كل حدب وصوب.

وحصلت مجموعة صغيرة من المدنيين من أقارب مقاتلين في قوات سوريا الديمقراطية أو مسؤولين محليين نازحين من المدينة الجمعة على تصريح دخول إلى المدينة ليوم واحد فقط.

وشارك هؤلاء بالاحتفال في الملعب البلدي وتمكن بعضهم من رؤية ما تبقى من منازلهم.

بعد الانتهاء من الاحتفال، جالت آسيا وأطفالها الأربعة في سيارة استأجرها زوجها المقاتل في قوات سوريا الديمقراطية في حي الرميلي في شرق المدينة للبحث عن منزلهم.

وقالت آسيا: "ضُرب منزلي. رأيته ويا ليتني لم أره. عرفته من أغراضي على الأرض، يا ليتهم سُرقوا وبقيت الجدران".

"دمار، آلام، حزن"


وكانت آسيا تنتظر اللحظة التي ستتمكن فيها من العودة إلى الرقة التي فرّت منها إلى مدينة الطبقة التي تبعد 70 كيلومتراً إلى الغرب من الرقة وسيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية في وقت سابق من العام الحالي.

إلا أنها وبعدما رأت الدمار الذي حل بمدينتها، تقول "صُدمت بما رأيت ويا ليتني لم أعد. كنا نقول سنترك منزلنا في الطبقة ونعود إلى الرقة، ولكن كيف؟. الآن لا أريد أن أعود. كل الذكريات الحلوة أصبحت مأساوية".

ولم يتمكن المدنيون من دخول منازلهم أو الاقتراب من أنقاضها حتى خوفاً من الألغام التي تركها الجهاديون.

ويعم الدمار مدينة الرقة بالكامل ما يجعل من الصعب التعرف على معالمها، لكن من الممكن تحديد بعض الأماكن من خلال لافتة تشير إلى عيادة طبيب أطفال أو بقايا قماش وآلات حياكة في متجر.

وقدّرت الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي أن 80 في المئة من مساحة الرقة باتت غير قابلة للسكن. وتعاني المدينة حالياً من غياب كامل للبنية التحتية الأساسية.

وفي الأحياء الواقعة على أطراف المدينة والتي تمت استعادتها في بداية الهجوم ضد الجهاديين الذي بدأ منذ أشهر طويلة، توجد منازل مدمرة وأخرى انهار سقفها أو خلعت أبوابها. إلا أن المشهد بدا صادماً في وسط المدينة، وكأن حارات تحولت بأكملها إلى أنقاض، فلم يعد من الممكن التفريق بين منزل ومتجر. كل شيء بات مجرد جبال من الركام، حجارة وأنابيب وأسلاك.

وفوجئ أعضاء من مجلس الرقة المدني الذي من المفترض أن يتسلم إدارة المدينة وملف إعادة إعمارها، بهول ما رأوه من دمار جراء المعارك الضارية التي دامت أكثر من أربعة أشهر.

وتقول المحامية والعضو في المجلس فاضلة الخليل (34 عاماً) "فرحنا أكيد (بالعودة) ولكن هناك دماراً وآلاماً وحزناً".

وتضيف: "لم تبق أبنية، ولا بنية تحتية ولا ملامح حياة نهائياً"، مضيفة "دخلت (الرقة) وفعلاً لم أعرفها، كل شيء ممزوج بالدمار. لم أعرف الشوارع والمباني".

ولم تتمكن الخليل من البقاء سوى ساعات قليلة في مدينتها الرقة التي تجولت فيها أيضاً على هامش مشاركتها في احتفال قوات سوريا الديمقراطية.

وتقول الخليل: "لا أعرف أي أخبار عن أخوتي وصديقاتي من المدينة (…) كنت أتمنى أن نعود سوياً ونلتقي في الرقة".

وتتوقع الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية أن يتطلب تنظيف الرقة وإعادة إعمارها جهوداً ضخمة، وشهوراً عدة قبل أن تعود الحياة إليها.

"الرقة تحررت"


وقبل أسابيع فقط، كان محمود محمد يعرض مع زملائه في لجنة إعادة الإعمار في مجلس الرقة المدني خطتهم لبدء العمل في المدينة.

وقد قسموا العمل إلى أجزاء على أن يبدأ من أطراف المدينة إلى داخلها، ومن إزالة الألغام إلى رفع الأنقاض والنفايات ثم إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والصحة والمدارس.
إلا أن محمد صعق بحجم الدمار.

ويقول الشاب البالغ من العمر 27 عاماً "عندما دخلنا إلى المدينة، تغيرت خططنا تماماً. الوضع أسوأ بكثير مما كنت أتخيله".

ويأخذ محمد صوراً لشارع تل أبيض المدمر تماماً بهاتفه الجوال. ويضيف "كنا نرى صوراً للمدينة من قبل لكننا لم نعرف أو نتوقع أن نراها بهذا الشكل".

ويشير محمد إلى مجموعة من المتاجر المتراصة جنباً إلى جنب، ويقول إن عائلته كانت تمتلكها ومن بينها مراكز إغاثة وأخرى محال لبيع الملابس الداخلية.

ويضيف "كنت تجد في هذا الشارع كل ما يخطر في بالك"، ثم يهز رأسه بأسف ويتمتم قائلاً "دمار هائل، أكثر مما كنا نتصور".

وتمر إلى جانب محمد شاحنة بيضاء تتصاعد منها موسيقى ويرقص في الجزء المكشوف منها مقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية يرفعون علامات النصر. ويرفع أحدهم بندقية ويصرخ قائلاً "الرقة تحررت يا خيو (يا أخي)".

تحميل المزيد