بــابور زمّر.. خشّ البَحَر

نعم قد تتشابه الأحقاب في الأوطان، تتشابه إذا ما كانت السّياسات هي نفسها أو حتّى أتعس، سياسات لا تواكب ولا تتحيّن ولا تعتبر ولا تقيم وزناً خصوصاً للوطن وللمواطن، وتتشابه أكثر إذا ما تشابه السّياسيون، وساروا على نفس خُطى أسلافهم خطوةً بخطوة، برغم إخفاقهم في فتح بوّبات الأمل للبلاد والعباد، أو إذا كان وما زال هؤلاء السّاسة هم أنفسهم منذ عقود خلت جاثمين على صدر الوطن، متشبّثين بكراسي حكمه، برغم خيباتهم المزمنة والمتكرّرة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/21 الساعة 03:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/21 الساعة 03:57 بتوقيت غرينتش

نعم قد تتشابه الأحقاب في الأوطان، تتشابه إذا ما كانت السّياسات هي نفسها أو حتّى أتعس، سياسات لا تواكب ولا تتحيّن ولا تعتبر ولا تقيم وزناً خصوصاً للوطن وللمواطن، وتتشابه أكثر إذا ما تشابه السّياسيون، وساروا على نفس خُطى أسلافهم خطوةً بخطوة، برغم إخفاقهم في فتح بوّبات الأمل للبلاد والعباد، أو إذا كان وما زال هؤلاء السّاسة هم أنفسهم منذ عقود خلت جاثمين على صدر الوطن، متشبّثين بكراسي حكمه، برغم خيباتهم المزمنة والمتكرّرة.

"بابور زمّر" هو عنوان قصيدة غنّاها ذات عام المرحوم الهادي فلّة، غنّاها بشجن لخّص وقتها تعاسة الوطن وأهله، وطن شحن أبناءه إلى بلاد برّة هرباً من الظلم والفقر، وأملاً في بعض حريّة وبعض حياة قد يجدها في بلاد برّة، أو قد يخيب مسعاه مرّة أخرى:

بابور سافر عل العين غاب
تحت الضّباب
محشي معبّي بخير الشباب
وسڤوه للأجنبي بلا حساب
مثل الدواب
الفرق بينه وبين البقر

نفس الصّورة لهجرة شباب الوطن وزهوره تكرّرت مع الثّورة، وهي اليوم تتكرّر بوتيرة أكبر، لكن بكيفيّة مغايرة، بابور وشباب الهادي قلّة كانوا بجوازات وبتأشيرات، لكنّ بابورات هذه الأيّام هم على منوال (الحَرقة التي تخلّف غالباً كثيراً من الحُرقة) ومآسي بالجملة، بابورات بدون أدنى شروط السّلامة تُحشى حشواً لتُلقى في البحر ليلاً أو نهاراً في طقس صحو أو مغيّم، بابورات تحمل في بطنها عشرات ومئات الشباب والأطفال والعائلات قامرت بحياتها رمت بأنفسها في أحضان المجهول الذي قد يوصلها إلى يابسة الضفّة المقابلة أو قد يقطع ذاك الحلم غرق شنيع أو رصاص منهمر يقضي على الأحلام والبشر.. حرّاقة في بابور لا يزمّر، لكنّه يخوض غمار البحر خلسة حاملاً بين جنبيه شباباً وشابّات، عائلات وأطفال تعبوا وملّوا وطال انتظارهم لصبح ينبلج بعد طول عتمة، فقر مدقع، بطالة خانقة، أوضاع اجتماعيّة وصحيّة مزرية.

لكنّ انتظاراتهم طالت وطالت دون أن يلوح لهم أدنى أمل في الأفق البعيد ولا القريب حتّى، فهانت عليهم أنفسهم، وألقوا بأرواحهم في عرض البحر يطاردون حلماً في بلاد برّة، ينشدون وضعاً أفضل قد يوفّره لهم الغريب بعد أن حرمهم منه القريب، يطلبون حقّهم في وطنهم (في أوطان الآخرين).

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد