"الثائر لأجل مجتمع جاهل هو شخص أضرم النيران بجسده كي يضيء الطريق لشخص ضرير..".
عبارة انتشرت على الصفحات، تناقلتها الألسن وتكررت الأيام الأخيرة ونُسبت في كل صفحة إلى اسمٍ ما مشهور -كنوع من إعطاء المصداقية والقوة- وبغض النظر عن حقيقة نسبتها إلى أي أحد كائناً من كان، فلقد استوقفتني تعجباً.
فتعريف الثائر وحاله -مروراً بكل أصحاب الأفكار والأهداف في الحياة- يتنافى مع مضمون العبارة من الأساس.
فالثائر هو متمرد على ما يراه خطأ يتنافى مع قيمه ومبادئه، ثائر على أوضاع خطأ يراها وحقوق -تخصه مبدئياً- وغيره إجمالاً، تُسرق أو تُسلب.
الثائر في الأساس صاحب موقف مبادئي يخص قناعاته وضميره ورفضه الانصياع لظلم وقهر، أوسلب حقوق، حقه بداية قبل حق الآخرين.
فكيف يتسق هذا والمقولة الغريبة؟! كيف يعتقد مفكر أو صاحب رأي ممن نُسبت إليهم العبارة أن مثل هذا يثور لأجل غيره وينتظر من هذا الغير تعاوناً أو فهماً وإلا اعتُبر منتحراً مضرماً في نفسه النار!
إن الثائر صاحب مبدأ هو ما يحركه، انتصاراً له -وإن كان ظاهره دفاعاً عن حرية أو حق لغيره- فمن أجل مبدأه يثور ويتحرك، ومن أجل قناعاته يبذل، فلا يرضى ضميره أن يطلب الحرية انتقاءً لمن يستحق ويتجاهلها لمن جهل أهميتها أو رضي لنفسه سوء الحال.
الثائر يبحث عن صناعة مستقبله ومن يهتم لهم، مستقبل حر كريم وسط مجتمع تسود فيه هذه القيم، فإن تنازل المجتمع عن حقه جهلاً أو خوفاً، لم يرضَ هو ذلك؛ فنفسه تأبى الذل والاستسلام ويأبى لأبنائه أن يعيشوا تحت ما رفضته نفسه.
الثائر الحق لا يقف ولا يترك ثورته ولا يحني ظهره مهما لاقى من صعاب وخاض من معارك، وإن تخلى عنه الجميع.
الثائر يحيي الثورة في النفوس ويظل يجاهد لغرس قيمها ومبادئها وري الجاف من تربتها في وسط مجتمعه حتى تثمر، وإن أثمرت بعد حين أو ربما بعد مغادرته.
فمثل هذا لا يصح معه ابتداءً ربط ثورته بغيره، أو وقفها على فهم أو فعل مجتمعه، فهو فيه القائد والمحرك، وبقوته وإرادته وجهده تنكسر أعمدة الظلم وتتهاوى رايات الجهل والإستبداد.
الثائر -يا سادة- لا يضرم في نفسه ناراً لأجل أحد؛ بل يضيء بروحه وجهده الدروب، ويجتهد ليدل الضرير ويُسمع الأصم في مجتمعه، يضيء لتبقى ذاته ونفسه وقِيمه وتسود مهما طال زمان المسخ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.