على أشخاص صدقناهم ووثقنا بهم لأبعد الحدود، نسينا من أجلهم أنفسنا وعشنا من لأجلهم فقط، سعادتنا الحقيقية هي سعادتهم، وحزننا هو حزنهم، بل إن يومنا بالكامل هم من يحددون ملامحه وأهدافه، بل والأدهى أننا عِشنا في محرابهم وهجرنا كل مَن نعرفهم لأجلهم مهما كانت أهمية الآخرين بالنسبة لنا.
وبعد كل هذا لم تأتِ الضربة القاصمة لأرواحنا إلا منهم، تركونا ولم يلتفتوا إلينا، وأصبحنا نسير تظننا أحياء، ولكنهم أخذوا أرواحنا معهم، ولم يعد لدينا إلا أنفسنا المنهكة تسألنا لماذا؟!
لم يشفع لنا عندهم ساعة قضوها معنا؟
مَن بنى لهم ذلك الكيان الذي دهسوا به على قلوبنا ومزقوها؟
كيف هانت عليهم دموعنا؟
كيف يعيشون بهذا الضمير الراضي، والنفس المطمئنة؟
لماذا باعونا بأرخص ثمن؟
والحقيقة أننا وصلنا لمرحلة أن لا إجابة، بعدها مرحلة جلد الذات واللوم المستمر والحسرة على ما فات، مرحلة مؤلمة نعيش فيها بنفوس مخوخة جرداء لا يسمع فيها غير أصوات بشعة مفادها:
(يا خسارة عمري اللي ضاع)، (أنا اللي أستاهل)، (كم بقي من عمري لأعيد المحاولة مع غيري؟)، وغيرها كتير من جمل لا تزيدنا إلا دماراً نفسياً.
الحوار السابق هو ملخص الحوارات بين معظم الأوساط الآن، والجميع يرى أن (قلة الأصل أصبحت منهج حياة)، إذن مَن الجاني؟ ومن المجنى عليه؟
والحقيقة الوحيدة في الحوار السابق هو أننا نتحمل مسؤولية الآلام النفسية التي نمر أو مررنا بها بسبب أشخاص، بمعنى أن مَن يشعر أنه ضحية، فهو ضحية بسببه قبل أي شخص آخر.
أولاً: لأنه هانت عليك نفسك من البداية فلا تطالب أحداً أن يعطي قيمة لها أكثر منك.
ثانياً: أن هؤلاء من أنهكوا نفسك وسلبوا روحك، لم يفعلوا ذلك صدفة أو فجأة، فلو استرجعت أيامك لوجدت علامات ومواقف مهَّدت لبيعك بأبخس الأسعار ولكنك تجاهلتها؛ لأنك لا تريد أن تخرج خارج منطقة أمانك التي جعلت أساسها هو وجودهم في حياتك.
أرجو منك أن تقلل من حدة كلامك وتجيبني على سؤالي: لماذا فعلوا ذلك؟ ولماذا معي أنا؟
بداية أنا لا أقصد أبداً إيلامك، ولكن ما أقصده هو تشخيص ألمك لنحدد خطة العلاج، ولا تغضب منّي فأنت لم تسمع عن جراح كان علاجها الوحيد الكيّ؟
وبرغم أنني حمّلتك مسؤولية ألمك، فاطمئن أنت لم تقصر في أي شيء تجاههم لتبرر لهم بيعك والتخلي عنك، وشخصك ليس هو المقصود في الحقيقة؛ لأن هؤلاء الأشخاص عندما يقررون التخلي بدون أسباب واضحة بالنسبة لك، وذلك لأنهم وجدوا أن لا مصلحة لهم من وجودك في حياتهم، أو أن وجودك متعارض مع رغباتهم.
وهم كذلك لعدة أسباب:
أولاً: التربية الخاطئة، أو أنه عندما ظهرت عليه ميول القسوة لم يجد مَن يوجه تلك الميول بشكل تربوي، وفي الغالب في مجتمعاتنا العربية يكون التوجيه سلبياً لتلك الحالات.
وبسبب عدم المعالجة الإيجابية، وتحويل تلك الميول بشكل إيجابي، يتمكن المرض النفسي من الشخص ويصبح مبدأه في الحياة (حبيبي حبيبي إذا وجدت مصلحة في حبه، وحبيبي عدوي لو تعارض حبه مع مصلحتي)، ويطبق مبدأه حتى ولو على أقرب الأشخاص إليه.
وبسبب ذلك إذا ظهرت بعد وضعك في خانة العداوة مصلحة معك، سيستخدم كل حيل الاستعطاف لإقناعك أن خطأه في حقك لم يكن مقصوداً، ويزيد من شجاعته إذا كان هناك ضمان بوجودك معه طوال حياته.
• وبالطبع لا يمكن أن نتغافل عن رأس هذه الأسباب وهو غياب مراقبة الله التي أنتجت غياب المعنى الحقيقي للدين وهو (الدين المعاملة)، الذي نتج عنه غياب الوازع الأخلاقي فأصبح من يريد أن يفعل شيئاً يفعله ويبرر له.
والآن يأتي السؤال: كيف أتعامل مع هؤلاء بدون أن تتأثر صحتي النفسية؟
• بداية لو لاحظت تكرار تلك المواقف منهم معك، فوراً قرر قطع علاقتك معهم، وإن كان لا بد من وجودهم لأسباب دينية أو عُرفية، فكن على حذر جداً في تعاملك، بمعنى ألا تجعل تصرفاتهم تتعمق داخل نفسك وتؤثر عليها، وذلك لتقلل كمية خسارتك.
• كرر دائماً على نفسك فكرة أن خسارتك لهذا الشخص هي في الحقيقة مكسب ودرس تعلمت منه، إلى أن تتحول الفكرة إلى قناعة تزيدك نضجاً في علاقاتك القادمة، وصلابةً عندما تعصف بك الأيام.
• لا تطِل الفترة التي تستعيد فيها روحها، اكسر جدران حزنك واستعد روحك، استخرج فقط المستفاد من التجربة المريرة ليكون بمثابة كتالوغ ترجع إليه في علاقاتك الجديدة.
• أما عن ذلك العمر الضائع الذي تبكي عليه، فالعمر لا يمكن أن يفوت ما دام داخلك الروح وقلب ينبض، ورسولنا الكريم يؤكد ذلك المعنى في الحديث: (إِن قَامَت عَلَى أَحَدِكُمُ القِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَليَغرِسهَا)، عليك أن تحيا بهذا المنطق ولن تفقد الأمل في الحياة مهما واجهت.
• إذا وجدت أن هؤلاء قاموا بتغيير معالم نفسك عندما تقارنها بنفسك القديمة، الجأ للتحدث الذاتي الإيجابي وفلترة المواقف التي كانت سبباً في تشوه نفسك، وتفاهم معها، واذا لم تستطع القيام بذلك بمفردك الجأ فوراً إلى مختص.
• ودائماً ضع تلك المقولة أمامك: (من الصعب أن تهزم إنساناً لا يستسلم).
• أخيراً يا صديقي.. اعمل على زيادة يقينك في الله؛ لأن بهذا اليقين ستزيد نضجاً وتفهماً للمعنى الحقيقي لوجودك في الدنيا، وبالتالي كل وجع في حياتك سيأخذ وقته ويمر بدون أن يسبب لك آلاماً مبرحة تترك عاهات بداخلك، وادعُ الله دائماً أن ييسر لك من صحبة الخير الكثير، ويهيئ لك من أمرك الرشد.
#ببساطة_قووووي أتمنى أن يكون المقال نقطة تحول في حياتك، وأشوفكم في مقال جديد، مقال يخلينا سند لبعض في دنيا مليانة بالأعباء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.