أبناؤنا أم مشاريعنا؟

لطالما حلمت أن يرزقني الله بابنة ألاعبها وتكملني، تكون بسمتي وفرحي وحياتي، ثم ترددت كثيراً من فكرة الإنجاب رغم رغبتي، بل أصابني الخوف والرعب من الإقدام عليها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/19 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/19 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش

لطالما حلمت أن يرزقني الله بابنة ألاعبها وتكملني، تكون بسمتي وفرحي وحياتي، ثم ترددت كثيراً من فكرة الإنجاب رغم رغبتي، بل أصابني الخوف والرعب من الإقدام عليها.

لطالما تساءلت مع نفسي: هل يا ترى بهذه السهولة نتخذ قرار الإنجاب؟ هل نحن مستعدون نفسياً وفكرياً لتحمّل مسؤولية التربية؟ ولماذا نأتي بأبناء لهذه الدنيا؟ هل فقط لنكون آباء؟ هل هي مجرد فطرة واستمرارية أم نحن واعون بحجم المسؤولية ومستعدون لها؟

مسؤولية الأبناء مسؤولية جسيمة، أن تكوني أُماً أو تكون أباً يعني أن تتحمل أعظم وأصعب مسؤولية على وجه الأرض بدوام كامل، أن تكون مستعداً للعطاء الذي لا ينتهي للحب اللامشروط وللقبول التام، أن تكون سبباً بعد الله تعالى في ازدياد مخلوق لا يعوّل إلا عليك ولا يأمن إلا بجانبك.

ولكن هذه الأمومة والأبوة لا تعني امتلاكه، أنت فقط مؤتمن على الحفاظ عليه وعلى سلامته النفسية والجسدية، على توجيهه وتعليمه دينه ومبادئ الأخلاق وأساسيات العيش السليم فقط.

لست وصياً على اختياراته ولا متحكّماً في شخصيته، ذلك المخلوق الذي ينتمي لك والذي رغم صغره وضعفه شخص بذاته لا يحق لك إلا أن تدعمه في صوابه وخطئه، لا أن تسيطر على حياته صغيراً كان أم كبيراً، اتركه يجرب ما لم تكن التجربة خطراً عليه وابقَ بجانبه، احتضنه وادعمه إن أخطأ وشجعه إن أصاب وشاهد تعلمه من تجاربه.

أبناؤنا حتى وإن أحببناهم أكثر من أنفسنا، وإن أردنا الأفضل والخير دائماً، وإن ابتغينا مصلحتهم لا نملك الحق لنقرر عنهم، بل نوجههم وننصحهم ونترك لهم حرية الاختيار.

جميعنا نريد لأبنائنا أن يكونوا ناجحين، نرسم صوراً لهم في مخيلاتنا عما نتمنى أن يكونوا عليه، صوراً ربما في أحيان كثيرة عن أشياء تمنيناها ولن نصل لها، فنرفع توقعاتنا منهم، وتكون ردات فعلنا عن أي تقصير نراه منهم كبيرة، نخطط لحياتهم ونحلم بدلاً عنهم، وننسى أن كوننا آباءهم لا يعطينا الحق لنقرر عنهم.

ما نراه صواباً في أعيننا ليس بالضرورة هو الصواب، فالصواب والخطأ نسبيان طالما لا يمسّان ثوابتنا الدينية أو القيمية، بل حتى فيما يتعلق بديننا الحنيف قد أعطانا الله الحق في البحث والتساؤل، وإن كان سبحانه وتعالى منحنا هذا الحق وأكرمنا بقبول توبة المخطئ فلمَ ننكر على أبنائنا تجاربهم خوفاً من فشلهم وننسى أن شخصياتهم لن تصقل ما لم يجربوا ويخطئوا ويتعلموا من أخطائهم؟!

في علاقتنا بأبنائنا لا ننظر إلا من وجهتنا ونظنها الأصوب، فنشتري من الثياب والألعاب أغلاها، ونمنع عنهم استغلالها وتخريبها بحجة غلائها وجودتها، وننسى حقهم ومتعتهم في اللعب والتجريب، بل وعدم اهتمامهم بسعرها وماركتها.

نملأ جدولهم بالعديد من الأنشطة ولا نستدير لنسألهم أهذا ما يريدونه؟ هل يستمتعون بأوقاتهم أم أنه مجرد إجبار بالنسبة لهم! لا نحترم خصوصيتهم وما يحبون فنحكي تجاربهم المضحكة والمحزنة للجميع، ونشارك صورهم وكل تفاصيل حياتهم، بدون أن نتعب أنفسنا، ونتساءل: إن كانوا يحبون ذلك أم لا؟ بل ونوجههم في اختيارهم لموادهم وتخصصاتهم عندما يكبرون ليحققوا أحلامنا غير المكتملة في الطب أو الهندسة أو غيرها ولا نقبل منهم غير ذلك، وننسى أننا إن تركناهم لما يحبون ضمنا سعادتهم وصحتهم النفسية وربما تفوقهم.

أخبرني شاب يدرس الهندسة في أرقى الجامعات في العالم ومن المتفوقين أنه يدرس فقط ليحقق حلم والديه في تخرجه من هذا التخصص، ثم ينوي أن يشتغل فيما يحبه بعيداً عن تخصصه الدراسي، وأن دراسته صارت عبئاً عليه يريد أن يتخلص منه بسرعة ليبدأ حياته فيما يريد.

اتركوا أبناءكم لاختياراتهم ولا ترهقوا كواهلهم بأحلامكم وطموحاتكم، اتركوهم ليخطئوا ويتعلموا من أخطائهم، ادعموهم ليبنوا حياتهم على طريقتهم، ولا تربطوا صلاحهم باتباع خططكم، وليكن هدفنا جميعاً في تربية أبنائنا صلاحهم الديني والنفسي والأخلاقي، ولنترك الباقي لهم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد