هل أنت كردي؟ هذا ما سمعته عند وصولي إلى أول نقطة تفتيش تابعة للجيش العراقي في كركوك، السؤال كان موجهاً لشاب عشريني في لباس الشرطة العراقية، قادماً من طريق أربيل، أجاب الشرطي بنعم، فكان الرد بتجريده من السلاح الذي كان بحوزته.
قصي الكناني، الضابط في جهاز مكافحة الإرهاب العراقي أوضح الأمر بأن الشرطي يحتاج إلى موافقة من المحافظ الجديد "راكان سعيد الجبوري"، ليستعيد سلاحه الفردي. ويعود إلى رأس عمله بشكل رسمي.
كركوك المدينة التي لم تنته المشكلات فيها، وكانت الصراعات عليها منذ سنوات بين الإدارة الكردية والحكومة المركزية، تسلمت زمام الحكم والإدارة فيها القوات الكردية في عام 2014، بعد تراجع القوات العراقية منها على حساب تقدم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهي أيضاً تعتبر من المناطق المتنازع عليها بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية، وتنتج أيضاً ما يقارب ربع إنتاج النفط العراقي.
قبل الوصول إلى كركوك بما يقارب ثلاثة كيلومترات، كانت قوات البيشمركة الكردية موجودة بكثافة، وبمعدات عسكرية ثقيلة على أطراف الطريق السريع، وتبدأ ببناء السواتر الترابية، وتعمل على إعادة تمركز قواتها. بعد اجتياز القوات الكردية كان واضحاً خلو المنطقة من سكانها، ومن حركتها التي من المفترض أن تكون نشطة.
عند مدخل مدينة كركوك الطريقان الرئيسيان مغلقان بسواتر ترابية، مع تواجد الكثير من المدنيين ينتظرون فتح الطرق، من خلف السواتر الترابية تقف عربات مدرعة تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، الذين نبهوا على عدم تجاوز الساتر، لم يفتح الطريق حتى ساعات الصباح الأولى، لكن فُتح فيما بعد.
"عربي بوست" التقت أبو أحمد التركماني، 45 عاماً، من تركمان مدينة كركوك، المنضم إلى الحشد الشعبي، المتهم بالطائفية وارتكاب بعض الجرائم بحق الطائفة السنية.
كانت السعادة واضحة على وجه أبو أحمد، الذي بدأ بالحديث عن الكمين الذي تعرَّض له البارحة من قبل مجموعة كردية، أثناء اقتحام الجيش العراقي والحشد الشعبي للمدينة، بدأ بالحديث مباشرة:
لقد قتلتُ ثلاثة منهم كانوا بيشمركة! كنت أقود سيارتي متجهاً إلى أحد مراكز الحشد في المدينة، وإذ بمجموعة يطلقون النار على سيارتي، تبادلنا إطلاق النار وقتلت ثلاثة منهم، قبل أن يصل الدعم إلى المكان وتفرّ المجموعة.
ويضيف قائلاً: نحن نود أن نعيش بسلام، في مدينة التآخي في كركوك، مع إخواننا الكرد والتركمان والعرب، هذه مدينتنا جميعاً، وأدعو إخواني الكرد الذين غادروا المدينة أن يعودوا إليها لأنها مدينتهم.
دوريات الحشد الشعبي
مدينة كركوك بدت خاليةً من القوات الكردية تماماً، على عكس شوارعها المليئة بالأعلام الكردية وصور القيادات الكردية، دوريات الجيش العراقي والحشد الشعبي لم تكن تتوقف في المدينة بسيارات وعربات مدرعة مدججة بالأسلحة ورايات فصائل الحشد الشعبي، المدينة بدت خالية تماماً في بعض من أحيائها ذات الأغلبية الكردية، على عكس بعض أحيائها التي كانت الحياة فيها شبه طبيعية.
بغداد أعلنت على لسان رئيس مجلس وزرائها حيدر العبادي عودة كركوك تحت سيطرة الحكومة المركزية، بعد ساعات من توجه القوات العراقية إليها، بعد عدم التوصل إلى اتفاق مع القوات الكردية، والسيطرة على جميع حقول النفط وشركة نفط الشمال في المحافظة.
كما عَيَّن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي محافظاً جديداً للمدينة، بعد مغادرة المحافظ القديم نجم الدين كريم.
المحافظ الجديد لمحافظة كركوك
أكد راكان الجبوري أنَّه تلقَّى مكالمةً هاتفيةً من حيدر العبادي، تحدَّث لـ"عربي بوست" عن الأوضاع الراهنة في كركوك، وتم تكليفه بمهام المحافظ في المدينة مباشرة من رئيس مجلس الوزراء.
كما وجَّه أيضاً رسالة إلى المكون الكردي، وخاصة النازحين من المدينة، بالعودة إلى منازلهم والحياة الطبيعية، وأثنى أيضاً على تضحيات ونجاحات الشعب الكردي في كركوك والعراق أجمع، وأكد أيضاً أنه بعث رسالةً إلى رئيس أمن المحافظة الذي هو من القومية الكردية، مفادها حثّ الكرد النازحين من المدينة على العودة إلى منازلهم والحياة الطبيعية في المدينة.
وأضاف أيضاً: كركوك تحت سيطرة القوات العراقية بشكل كامل، قمنا بعقد اجتماعات مع مديري الدوائر الحكومية في المدينة وشيوخ العشائر، لحثِّ المواطنين على العودة إلى الحياة الطبيعية في المدينة، والحث على تقديم الخدمات للمواطنين وفتح باب الدوائر الرسمية.
رحيماوا، من أكبر الأحياء الكردية في مدينة كركوك، وتوجد بعض من مكاتب الحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب الرئيس الحالي مسعود البارزاني)، غالبية سكان الحي كانوا قد غادروا المدينة، أمس الأول، بالتزامن مع دخول القوات العراقية والحشد الشعبي.
حرائق في مكاتب البارزاني
وكان واضحاً آثار الدمار والحرق بشكل كامل في مكاتب الحزب الديمقراطي الكردستاني، في هذا الحي الكردي، كما أكد شهود عيان من المنطقة أن سيارتين من الحشد الشعبي قامتا في الصباح الباكر بإضرام النار في المكاتب وبعض صور الرئيس البارزاني في المنطقة.
اندي، شابٌ عشريني، من حي رحيماوا الكردي، وهو أيضاً مقاتل في صفوف البيشمركة، بدأ بالحديث غاضباً:
"لقد باعوا كركوك، باعوا أرضنا وهربوا من المدينة، لم يقاتلوا أبداً، فتحوا الطريق أمام الحشد الشعبي ليحتل مدينتنا، قاتلنا نحن مجموعة صغيرة فقط لساعات مع قوات حزب العمال الكردستاني، لكن لم نستطيع الصمود أمام دبابات الجيش العراقي والحشد الشعبي المدجج بالأسلحة الثقيلة الأميركية".
حكومة إقليم كردستان من جهتها أعربت عن استيائها من التدخل العسكري للمدينة من قبل القوات العراقية، واتهمت جهة سياسية داخلية في كردستان بإبرام اتفاق انفرادي مع بغداد، والذي انتهى بنتيجة انسحاب قوات البيشمركة بهذا الشكل والطريقة التي رآها الجميع، هذا الاتهام جاء على لسان رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني.