لستُ حلوى لذيذة تثير الشهوة.. عن التحرش

وفي كل مرة أطرح على نفسي السؤال ذاته: ما ذنبي في أن أمشي خائفة في الشارع العام وأنا لم أرتكب جُرماً يذكر؟ هل أنا حرة أم نصف حرة؟ أم أنني لست حرة البتَّة؟ هل من المُنصف أن تقيـِّضَ المرأة نفسها بلباس خاص لكي يكون مطابقاً للأخلاق ولكي تستحق الاحترام؟ ألا نستحق الاحترام في جميع الأحوال؟ المهم، هي تساؤلات كثيرة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/18 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/18 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش

في كل صباح أردد السؤال نفسه: ما تُراني سوف ألبس اليوم؟ ليس تفاخراً بما أملك من ملبس لدرجة أنني أحتار في الاختيار، لكنه بالفعل قرار يجب أن أتخذه كل صباح قبل أن تطأ قدماي الشارع لكيلا أثير الانتباه.

نعم يُفرض عليّ كل يوم أن أضيع نسبة من تفكيري وطاقتي في اختيار الهندام السليم الذي أمشي به في المجتمع غير السليم الذي أعيش به.

الهندام الذي يناسب أذواق الآخرين وليس ذوقي، لا يلفت الأنظار ولا يثير الذكور (لأن الرجال أسمى من ذلك) كالذئاب نحو الفريسة في الغابة الموحشة.

وفي كل مرة أطرح على نفسي السؤال ذاته: ما ذنبي في أن أمشي خائفة في الشارع العام وأنا لم أرتكب جُرماً يذكر؟ هل أنا حرة أم نصف حرة؟ أم أنني لست حرة البتَّة؟ هل من المُنصف أن تقيـِّضَ المرأة نفسها بلباس خاص لكي يكون مطابقاً للأخلاق ولكي تستحق الاحترام؟ ألا نستحق الاحترام في جميع الأحوال؟ المهم، هي تساؤلات كثيرة.

في بلدي كما في العديد من الدول العربية الأخرى، حيث تُحترم المرأة المحجبة أكثر من قرينتها غير المحجبة، وحيث تُحترم المرأة المتزوجة أكثر من العازبة.. وفي مجتمع يُحترم فيه الذكر (أو الرجل) أكثر من الأنثى (أو المرأة) وتعطى فيه أهمية كبرى للمظاهر الكذابة، لا نستطيع أبداً نحن معشر النساء أن نشعر بالأمان التام في الأماكن العامة، بل إن البيت يصبح تهديداً في بعض الأحيان.

نحن لا نفهم المعنى الحقيقي للحرية الشخصية والحياة الخاصة ولا نمارسها كما يجب أن تمارس، نحب حشر أنوفنا في حياة الغير ونهوى النصيحة العلنية، ونتعامل مع الآخر على أنه المخطئ ونحن مَن سنردّه لطريق الصواب.. وما هو الصواب في رأيكم؟

أبناء بلدي ومع كل أسف (لا أعمم) يتعاملون مع المرأة على أنها قطعة حلوى شهية فيعطي نفسه الحق في أن يقترب منها ويشتريها ويأكلها بكل شراهة؛ لأنها طبعاً من تعرض نفسها للبيع؛ لأنها تلبس -على حد تعبير البعض- لباساً مثيراً.

إذا كان الأمر كذلك لماذا إذن في الغرب لا يقومون بمثل هذه الأفعال الشنيعة! أم أنهم ملائكة ونحن شياطين! بالطبع ليسوا ملائكة لكن بيننا نحن العديد من الشياطين.

التحرش موجود في جميع بقاع العالم (باستثناء بعض الدول الآسيوية ربما حيث انعدم) مع اختلاف في الحدة، فعندما يصل التحرش إلى العنف اللفظي واللمس والتعدي على حرية المرأة كمواطنة من حقها أن تتصرف على طبيعتها، هنا نتحدث عن تصرفات غريزية مَحْضة لا تمت للبشرية بأي صلة، وذريعتهم أن المرأة عورة.

عزيزي.. إن لم تستطع التحكم في هورموناتك ورغباتك فأنت بكل بساطة لا تختلف عن الحيوان المفترس. وإن كانت بعض النماذج تشجعكم على الانحلال فهذا لا يعني أن تضع الكل في كفة واحدة.

ثم إن هناك ظاهرة تخص المغاربة وهي الاستهزاء من بنات بلدهم وتحطيمهن كلما أتيحت لهم الفرصة، فهناك مَن ينعتها بجميع الألفاظ إن لم تخضع له، وهناك من يفضل الروسية والسويدية لأنها أجمل ويُجاهر بذلك.. وهناك من يلجأ إلى السب والقذف وكأنه حق مكتسب.

طيب لماذا؟ ألديك خلل نفسي أو عقلي عزيزي؟ اِذهب وابحث عن العلاج ولا تشفي غليلك ولا تفرغ كبتك فينا.

لمَ نصل لحد الكراهية والإساءة وأوصاكم فينا خير خلق الله؟ لمَ هذه الضغينة وهذا الحقد بين نصفي المجتمع؟ إلى متى سيستمرون في الحديث عن جمال ساقي المرأة أكثر مما تختزن في عقلها وقلبها؟ ارتقوا بفكركم فنحن لا نُختصر في ساقين أو نهدين! أضف إلى هذا صعوبة كبيرة في التعبير عن المشاعر، فإن أحب الرجل المغربي لا يستطيع أن يبوح بحبه أو أن يعبّر عنه علناً، خوفاً من الحكم عليه بالخنوع، بل نذهب إلى قصص مضحكة أخرى كالسحر والشعوذة لتبرير الحب.

ماذا تتوقعون من شعب مضطر إلى أن يبرر حبه أكثر من أن يدافع عنه؟!

تعالوا لنقلب الآية، إن كنتَ عزيزي قرَّرت يوماً ما أن تذهب في جولة وحدك أو مع أصدقائك ثم ترى فتاة أو مجموعة من الفتيات يتحرشن بك ويطلبن منك رقم هاتفك الخاص وإن امتنعت اِنهلن عليك بالسُباب، ستُمَسّ كرامتك أليس كذلك؟!

إن كنت في يوم من الأيام جالساً على مكتبك منهمكاً في عمل ما وأتتك امرأة متزوجة تدعوك للخروج وعندما رفضت بدَأت تبتزك وتهددك، ما عساك تفعل؟ لا شيء، سوف تخرس.

أعود للنزعة الغريزية والسلطوية لدى الرجل العربي بصفة عامة (دون إصدار أحكام بل يبقى رأياً شخصياً) لأقول: إن حلمك كان وسيبقى أن تعيش في جلباب "سي السيد" المتسلط الذي يعتبر نفسه قواماً، يحرم على أسرته ما يحلله على نفسه دونما خجل، مهما درستَ ومهما صُلْتَ وجُلتَ من السنين في البلدان المتقدمة ومهما كنت مثقفاً، في قرارة نفسك تبقى أنت من أنت، تحب أن تُطاع، أن تسمع كلمة "حاضر" على مر اليوم.. وعلى مر الحياة، لا يهم أن تكون هي سعيدة، يكفي أنك راضٍ.

آسفة، زمن "سي السيد" ولّى.. وأمينة شفيت من جروحها.. لكن نسبة الرجال الحُصَفَاء في تراجع.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد