المجتمعات الروحية؛ حيث البنية الدينية متمحورة حول الأخلاق والنية السليمة، نجد الاهتمام مشدداً -بعكس ما تدعو له هذه المنظومات- على المظهر أكثر مما هو حول الجوهر.
نأخذ مثالاً أوضح من نور الشمس، هناك هوس بمظهر الأنثى -في الثقافات الشرقية والمتأسلمة- أكثر مما هناك انتباه لجوهرها.
يتم التركيز على مظهر الأنثى، وإذا سألنا: لماذا؟ فالإجابة: لغرض حمايتها! ممن؟ حمايتها ضمن مجتمع يحمل نفس القيم الثقافية التي يجب أن تتبناها حتى تحمي نفسها فيه!
والسبيل الوحيد لفهم هذه المسألة هو اعتبار: أنه يجب حماية المرأة؛ لأن مظهرها هو الملجأ الوحيد لإصلاح مجتمع لم تؤثر فيه أو تنفع معه هذه القيم التي ندّعي صلاحها!
يعني أنها فشلت في الجموع وبدل الاستغناء عنها (القيم) نُعيد تدويرها حفظاً للكبرياء في مظهر المرأة؛ لأنه كيف يعقل أن نأتي ونتحدث عن حماية المرأة ضمن ثقافة وبيئة وديانة هي تبشر بأن معتنقيها لا يعودون بحاجة للشعور بالتهديد وخاصة المرأة ! ومع ذلك نأتي لنجد كل كلامنا يدور حول المرأة المهددة ضمن معتنقي هذه القيم إذا لم تتبع المسكينة تعليمات المظهر؟!
هذا مثال لحالة متناقضة من بين حالات لا تُعدّ ولا تُحصى في مجتمعاتنا؛ حيث هناك تركيز مكثف دينياً وثقافياً واجتماعياً للاهتمام بتنمية وتنقية الجوهر: لا يهم مَن تكون، أو كيف تبدو، المهم هو ما تفعله وكيف تفعله، أليس هذا هو مضمون الخطاب؟
لكن هيهات! نأتي لمثال آخر يتعلق بالتعليم: يمنع منعاً باتاً أن يرتدي الطفل ما يريد أو يشعره بالثقة والراحة، ويتم التدخل في قصات الشعر والملابس، وهذا لخدمة العملية التربوية والتأطيرية للتلميذ، المهم أن يبدو تلميذاً نجيباً ومهذباً، أما عن عقله -وهذا هو جوهر العملية التعليمية- فلا يهم، والأمر ينطبق على جميع المستويات التعليمية، وصولاً للجامعة.
لهذا نجد أن الناس يبدون محترمين وبكامل قواهم العقلية، لكن يبدون فقط، فطالما تتمحور أخلاقياتنا حول (جوهر) الشكل -كأننا نعيش بمهرجان فلكلوري- فلماذا نستغرب عندما يُقدِم أحدهم على حماقة يندى لها الجبين، نتساءل بطريقتنا النمطية الخارجة عن إرادتنا: يبدو شخصاً محترماً؟! لا يبدو من شكله أنه كان سيقوم بهذا التصرف.
وبنفس النتيجة، يسهل التلاعب والخداع في ظل هذه المجتمعات المليئة بالتزوير والنفاق، طالما أن الأفراد فيها مندفعون بالحكم على الجوهر بربطه بالمظهر، رغم أن الجوهر قد يختلف اختلافاً كبيراً عن المظهر.. وهذا يزيد مجتمعاتنا المتخبطة مزيداً من التخبط.
متى سنتخلص من خرافة المظهر والجوهر؟ وأنه لا وجود لهذين المعيارين في بناء الأحكام؛ لأنه لا الجوهر ولا المظهر ليس إلا انعكاس للسلوك والفكر، تصرفاتك سلوك وحتى مظهرك أيضاً سلوك، فلو كانا متناقضين فلأن التناقض على مستوى السلوك، أو من جهة أخرى قد يكون التناقض في الحكم أي في عين الناقد للشخص وليس في الشخص.
النقطة الأساسية في المسألة هي: لماذا تهتم هذه المنظومات بالمظهر طالما أن دعواتها منصبة على الجوهر؟ أم هي متناقضة ولا تدري؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.