هندسة توجيه الجمهور
في ضوء أول قضية علاقات عامة ذكرها القرآن الكريم
الحمد لله الذي منَّ علينا بنعمة رسالة الإسلام وذلك لما تحويه من تمام وكمال، وضح جلياً في جعل الإسلام راية الأديان، وتحدى بالقرآن الإنس والجان.
ولما كان الإسلام هو الرسالة الأخيرة، كان لا بد للخالق أن يجعله متمماً لكل نقص ومبرّأً من كل عيب، ولذلك كانت فكرة معالجة قضية العلاقات العامة التي طفت على سطح الفكر الإنساني مؤخراً، من خلال منظور إسلامي تغازلني منذ زمن إلى أن شاء الله باختيارها في موضوع بحثي هذا، وسوف أتعامل مع الإسلام هنا بكل حيادية وموضوعية، وذلك حتى نستخلص القواعد الهامة في العلاقات العامة، والتي سوف تكون -بإذن الله- محل إعجاب من الجميع، مراعياً أن يستفيد منها الجميع، مسلماً وغير مسلم، بغض النظر عن دينه، فإنما هي قواعد سوف نناقشها من منظور علمي إداري بحت، لا مجال فيه للدين، وإنما قصدت ذلك المنظور بعينه؛ لأنه يحزنني كمسلم أن ينسب كل تقدم للغرب، مع أن بين أيدينا كتاباً لو نهلنا منه لسُدنا الدنيا.
ولمَ لا وقد كنا سادتها بينما كانت أوروبا في العصور الوسطى المظلمة، وكان الملوك والأمراء يرسلون أبناءهم لينهلوا من الحضارة العربية؟!
آن الأوان أن نثق في الإسلام كنظام إداري أسس لكل القواعد التي يتحدث عنها عباقرة ومفكرو الإدارة الحديثة، وذلك في مجال العلوم الإدارية عامة، والعلاقات العامة على وجه الخصوص؛ إذ إن ملخص رسالة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه القائد الأول في العلاقات العامة، أو إن شئت فقُل العلاقات الإنسانية، أو العلاقات الجماهيرية، كما يحلو للبعض أن يطلق عليها.
تعريف العلاقات العامة:
تعتمد معظم التعريفات للعلاقات العامة على قضايا أساسية لا بدّ أن تقابلها في كل التعريفات التي سنتناولها بشيء من التفصيل، وهذه القضايا هي جمهور ورأي عام، وجهة تسعى لتوجيه هذا الجمهور من خلال برامج مدروسة وخطط ممنهجة.
وسوف نتناول هذه العناصر في الصفحات التالية بشيء من التفصيل تحت عنوان عناصر عمليات العلاقات العامة.
والعنصر الهام في عمليات العلاقات العامة -من وجهة نظري- وبعد دراسة مستفيضة في هذا العلم، هو القدرة على الإقناع والتأثير والتوجيه الذي سيترتب عليه هذا الطرح الجديد المقدم منّي؛ إذ إنني أعتبر أن أول قضية علاقات عامة بدأت مع أبينا آدم، عليه وعلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وسائر الأنبياء أفضل الصلاة والتسليم.
إن الآيات القرآنية لمحت لقضية العلاقات العامة في أكثر من موضع لما حدث مع أبينا آدم وأمنا حواء من تغرير بالأكل من الشجرة التي حرم الله -سبحانه وتعالى- عليهما الاقتراب منها.
قال تعالى: "قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" (سورة طه: الآية 120).
والعجيب في هذه القصة عندما درستها، أن الله -عز وجل- حذر آدم -عليه السلام- مسبقاً من الاستماع لهذا المضلل إبليس، عندما قال له: "فلا يخرجنكما من الجنة"، أي أنه أعلمه مسبقاً أن إبليس لديه هدف أساسي سوف يفعل من أجله كل الحيل حتى يحققه، ولكن مهارات إبليس الإقناعية كانت فائقة، واستطاع أن يلعب كرجل علاقات عامة محترف على وتر الدوافع والسلوك، وذلك لأنه وبكل دهاء لم يقُل له: اعصَ ربك وكُل من الشجرة، وإنما أضمر نواياه الشريرة وغلفها بما يبحث عنه الجمهور ممثلاً في أبينا آدم وأُمنا حواء قائلاً: "هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى".
نعم يا سادة إنها الغريزة الأولى التي عرفها الإنسان منذ بدء الخليقة، والدوافع وراء كل انحراف إنساني حدث منذ بدء الخليقة، إنه البحث عن الصحة والثراء والملك.
وفي ذلك تحضرني مقولة شهيرة للعالم إدوارد بيرنز (أبو العلاقات العامة)؛ حيث يقول: (إذا استطعنا فهم الآلية التي تُحرك الجماهير، فإن بإمكاننا أن نسيطر على سلوكهم دون أن يعرفوا ذلك)، راجع هندسة القبول لإدوارد بيرنز.
وإذا ما تناولنا قصة إبليس مع أبينا آدم من خلال نظرية بيرنز هذه، يتضح لنا جلياً أن الشيطان فهم الآلية التي تحرك جمهوره، بل وأتقن اللعب على أوتارها؛ لذلك استطاع أن يسيطر على سلوك جمهوره الممثل في أبينا آدم وأمنا حواء -عليهما السلام- دون أن يعرفوا ذلك.
وما زال إبليس وذريته يتلاعبون بجمهورهم من البشر ويسيطرون على سلوكهم دون أن يعرفوا ذلك، وذلك لأنهم أدركوا الآلية التي تحرك الجمهور، وهذه الآلية حذرت منها الكتب السماوية كلها وللنساء والثراء النصيب الأكبر منها.
والآن وبعد معرفة ودراسة أول عملية علاقات عامة تمت بنجاح، وإن كان نجاحاً بطعم الفشل، يتضح لنا الدور الخطير للعلاقات العامة إذا استطاعت فهم الآلية التي تُحرك الجماهير واللعب على أوتارها.
ودعونا نستكمل التسلسل التاريخي للعلاقات العامة الذي حدث من وجهة نظري بعد هذه القضية الأولى التي عالجها القرآن الكريم.
ومن المسلّم به لكل علماء الاجتماع أن العلاقات العامة ظاهرة إنسانية مرتبطة بوجود الإنسان أينما كان؛ حيث إن حاجة الإنسان للعلاقات العامة لا تقل أهمية عن حاجته للطعام والشراب، وإذا كان الطعام والشراب لازمين لبقاء النوع الإنساني، فإن العلاقات العامة لازمة لبقاء المجتمع الإنساني.
وبعد نزول آدم -عليه السلام- من الجنة إلى الأرض، والعلاقات العامة في تطوّر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.