مرحلة المواصلات والإفطار

كان يطلق على أبو رجيلة اسم (إمبراطور الأتوبيس)؛ لأنه نظم حركة الأتوبيس وأدخل عليها تحسينات كثيرة، لدرجة أنه اخترع وظيفة جديدة اسمها "مدير المطبات"، وهو شخص مهمته أن يركب الأتوبيسات ويكتب تقارير عن المطبات والحفر في الشوارع حتى تقوم الشركة بإصلاحها حفاظاً على الأتوبيسات.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/13 الساعة 08:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/13 الساعة 08:46 بتوقيت غرينتش

سن الخامسة والعشرين وما قبله وما بعده وحسب نصيب كل شخص هو سن التوهان وصعوبة اتخاذ القرار، هو السن التي تسأل نفسك فيها يومياً متى سأفيق؟ متى سأختار وأواجه؟ هل أنا على الطريق الصحيح؟ هل سأحصل على الوظيفة التي طالما حلمت بها؟ هل سأكون من الشباب الذين يقبلون الوظيفة المكروهة ذات الراتب المضمون؟ أم من الشباب الدعيكة، الذين يدخلون في دوامة أنا أذهب إلى العمل لكي آخذ ثمن المواصلات للذهاب إلى العمل في اليوم الثاني وأشتري طعام الإفطار، مؤمناً بمبدأ "اصبر في البداية، تصل في النهاية"، وهارباً من فوبيا الجلوس في البيت، أم أنا "فقري" لا محصل هذا أو ذاك"؟!

لغرض ما في نفس يعقوب دعوني أسرد لكم ماذا كتب عمرو طاهر في كتابه "صنايعية مصر"، عن قصة نجاح رجل الأعمال المصري الذي تعثر في حياته كثيراً، عبد اللطيف أبو رجيلة، رئيس نادي الزمالك سابقاً ومحسن وسائل هيئة النقل العام (CTA) في مصر.

كان يطلق على أبو رجيلة اسم (إمبراطور الأتوبيس)؛ لأنه نظم حركة الأتوبيس وأدخل عليها تحسينات كثيرة، لدرجة أنه اخترع وظيفة جديدة اسمها "مدير المطبات"، وهو شخص مهمته أن يركب الأتوبيسات ويكتب تقارير عن المطبات والحفر في الشوارع حتى تقوم الشركة بإصلاحها حفاظاً على الأتوبيسات.

وكان أكبر دليل على اهتمامه بعمله أن ذكر يوماً تشريحاً لركاب الأتوبيس قائلاً: "أفضل ركاب هم ركاب سراي القبة خط 26 وركاب الهرم خط 8، والأسوأ هم ركاب مصر القديمة خط 5، وركاب المطرية خط 25".

من شدة تفاني أبو رجيلة في عمله كان يردد دائماً أن الأتوبيس ليس مجرد مركبة تسير في الشارع، بل إنها جزء من نسيج الحياة اليومية للمواطن العادي.

في ذات يوم سأل أحدهم أبو رجيلة يوماً نصيحة منه: "كيف يمكن أن يصبح الشخص مليونيراً؟"، فقال: "لتصبح مليونيراً يجب عليك ألا تفتش عن المال، ولكن فتّش عن النجاح، البحث عن النجاح سيقودك إلى الملايين، لكن مجرد البحث عن المال قد يجعلك نصاباً، مشكلة الشباب عموماً أنه يريد أن يحصل على كل شيء، يريد أن يجمع أكبر قدر من المال بأقل جهد".

توقفت عند جملة أبو رجيلة وقرأتها مراراً وتكراراً "فتش عن النجاح وليس المال"، ووجدت أنه بلا شك ولا مبالغة أن معظم الناس واقعون بين فكرتين، إحداهما تطغى على الآخر، هل نعمل لننجح في حياتنا ونترك علامة فارقة في مستقبلنا المهني؟ أم نعمل لجني المال في المقام الأول؟

الغالبية العظمي يختارون الوظيفة التي تضمن لهم المال؛ لأننا في زمن أصبح المال فيه كل شيء، وإذا قرر أحد أن يترك وظيفته لأنه غير سعيد أو ليس هذا نمط العمل الذي يتمناه لنفسه، سيسمع الجملة الكليشيه التي تقال دائماً في مثل هذه المواقف: "انت مجنون، هو في حد لاقي شغل؟"، لكن على كل حال الجمع بين المال والنجاح في العمل معادلة صعبة لا يستطيع الكل أن يحققها في حياته.

وبما أنني أتحدث عن صعوبة اتخاذ القرارات المصيرية في حياتنا، سأخبركم ماذا قالت الكاتبة الفلسطينية سعاد العامري عن أول محاضرة لها في مجال الهندسة المعمارية.

قالت سعاد: وأنا في المحاضرة الأولى في مجال العمارة، دخل البروفيسور المحاضرة وأحضر معه ساعة رملية، ووضعها على الطاولة، وقال: "انظروا إلى هذه الساعة، وأخبروني عندما تملوا"، بقينا ننظر وننظر، في النهاية قلنا له: "كفى يا أستاذ لقد مللنا"، قال: "هل مللتم!"، قلنا: "مللنا بالتأكيد"، ثم نظر إلينا وجعلنا نشاهد رقم 20.000.000، سألناه ما هذا الرقم!

قال: "إذا تخرجتم كمعماريين وعمركم 25 عاماً ثم عملتم حتى تبلغوا 65 عاماً، ستكونون قد أمضيتم 20 مليوناً من وقتكم في عمل شيء تكرهونه، هل تريدون حقاً أن تكونوا معماريين، أم والدتكم هي من أرسلتكم إلى هنا لتصبحوا معماريين.
بعد حديث البروفيسور، خرج اثنان من زملائنا من القاعة، وفي الواقع كانا الأكثر نجاحاً".

أكثر ما شد انتباهي في حديث سعاد العامري هو زميلاها اللذان خرجا من المحاضرة بعد حديث البروفيسور، لقد حسدتهما على جرأتهما وسرعتهما في اتخاذ قرار مصيري مثل هذا.

فيما بعد أصبحت سعاد العامري كاتبة وهى في سن الخمسين، ولها كتب ناجحة مثل: "شارون وحماتي"، و"مراد مراد: لا شيء تخسره سوى حياتك".

بعد كل هذا السرد، أصبح الثابت علمياً في قناعتي أننا عندما كبرنا أدركنا أن هناك فرقاً بين الشيء الذي نريده والشيء الذي قضينا عمرنا كله نعتقد أننا نريده؛ لذلك علينا أن نستغل سن الطاقة لتجربة كل شيء ومعرفة ماذا نريد في النهاية.

يقول السلف الصالح: لا تقُل رأيك في طعام حتى تتخلص منه وتخرجه، وذلك بما معناه، علينا ألا نتمسك بقرارات مصيرية ولا نتبع تقليدية التفكير في المستقبل بأن نقضي جزءاً كبيراً من حياتنا نعمل في شيء نكره، ما ينقصنا فقط هو الجرأة في اتخاذ القرار.

في النهاية أرجو منك عزيزي القارئ أن لا تقرأ المقال على أنه مقال في التنمية البشرية، حاشا لله أن يكون تنمية بشرية وجو انظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، بل هو مقال من فتاة في الخامسة والعشرين عاماً، تعيش فترة طبيعية من التوهان والبحث عن الذات، وصعوبة في المخاطرة واتخاذ القرار، مثل معظم شباب هذا الجيل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد