أفي الإسلام شكّ؟!

وهناك من يرى أن فكرة الخلافة قد عفا عليها الزمن، وأنها لم تعد صالحة لزماننا هذا حتى وإن أجريت عليها بعض التغييرات، وأن هناك سبلاً أخرى يستطيع هو من خلالها إنجاز مسألة تحكيم شرع الله في الأرض، أو هكذا يرى من وجهة نظره، ومرت السنوات ومضى كل في طريقه الذي رسمه لنفسه لتحقيق تلك الغاية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/13 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/13 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش

مرّت الحركة الإسلامية منذ سقوط الخلافة الإسلامية في عام 1924 بتجارب كثيرة، ومنذ تلك الفترة والحركة الإسلامية بمختلف مدارسها تحمل على عاتقها مسألة تحكيم شرع الله في الأرض، كلّ بحسب فهمه، فمنهم مَن يرى أن تحقيق تلك الغاية لكن يكون إلا بعودة الخلافة الإسلامية إلى الصورة التي كانت عليها قبل السقوط، وآخرون يرون أننا بحاجة لإعادة إنتاج صياغة جديدة لمفهوم الخلافة بما يتناسب مع المعطيات الجديدة التي تفرضها المرحلة وطبيعة العصر الذي نعيشه.

وهناك من يرى أن فكرة الخلافة قد عفا عليها الزمن، وأنها لم تعد صالحة لزماننا هذا حتى وإن أجريت عليها بعض التغييرات، وأن هناك سبلاً أخرى يستطيع هو من خلالها إنجاز مسألة تحكيم شرع الله في الأرض، أو هكذا يرى من وجهة نظره، ومرت السنوات ومضى كل في طريقه الذي رسمه لنفسه لتحقيق تلك الغاية.

وعندما ننظر إلى واقعنا الآن نجد أن أياً من تلك المدارس والتيارت لم تصل إلى مبتغاها، وتوالت عليها حالات الفشل الواحدة تلو الأخرى، فمنهم مَن كانت تجربته الأولى هي نفسها تجربته الأخيرة، ومن ثمَّ تلاشى واختفى، أو على الأقل تم حصره داخل إطار معين رُسم له ممن قبله.

ومنهم مَن استمر في خوض التجربة تتبعها الأخرى، وبالتالي فشل يلاحقه الآخر، وكان لهذا الفشل بالغ الأثر على نفوس أبناء الأمة التواقة إلى العيش في ظل حكم إسلامي رشيد، حتى وصل الحال بهم في بعض الأحيان إلى الاعتقاد بأن هذا الدين وتلك الشريعة لا تناسب ذلك الزمان الذي نعيشه.

وبعضهم مَن انحرف به فكره وانتقل إلى خانة الطعن في صلاحية هذا الدين أن يكون حاكماً في ظل حالة الحداثة التي يحياها عالمنا اليوم، سواء على مستوى القوانين والتشريعات، أو الإنتاج الفكري الغزير الذي أفرزته المدارس الفكرية الحديثة.

وهنا دعونا نمر سريعاً على بعض تلك التجارب، ونرصد أسباب الفشل، ومحاولة معرفة من الذي يتحمل مسؤولية هذا الفشل المتكرر؟

ففي دراسة تحت عنوان "لماذا أخفقت الحركات الإسلامية في الوصول أو المحافظة على الحكم"، عرض الباحث محمد الداود أربع تجارب لحركات إسلامية وصلت إلى الحكم، أو أوشكت أن تصل، وبرؤية متعمقة يرصد فيها الباحث أسباب الفشل الذي أصاب تلك التجارب، وسوف نضيف عليها تجربة خامسة لبيان الخلل الذي أدى إلى هذا الفشل، وعلى عاتق مَن تقع المسؤولية.

– بداية نتكلم عن حركة طالبان في أفغانستان، فبين عشية وضحاها وجدت الحركة نفسها على سدة الحكم، وتحت سيطرتها ما يقارب الـ95% من مساحة الدولة الأفغانية، ولكن لغياب التخطيط المسبق والاستعداد لمرحلة الدولة بمعطياتها المختلفة، إضافة إلى غياب الوعي السياسي وانخداع الحركة بالدعم الباكستاني لها في بداية الأمر، وإغفال الحركة كون باكستان لا تزال حليفة لأمريكا بالإضافة إلى عدم التعالي فوق النزعة الوطنية، مما حرمها من دعم ومساندة مسلمي العالم لها، كل ذلك أدى إلى تهاوي التجربة وسقوطها سريعاً فيما لا يزيد عن العام.

– أما عن تجربة المحاكم الإسلامية في الصومال فهناك تشابه كبير بين أسباب الفشل بينها وبين نظيرتها في أفغانستان من ضعف الوعي السياسي وغياب الاستعداد والتخطيط والوقوع في فخ المفاوضات مع تجلّ واضح للأضرار التي تترتب عليها، ويضاف إلى ذلك المماطلة في اتخاذ القرارات المصيرية، كقرار الهجوم على بيداوة معقل الحكومة المؤقتة التي تتخذ منها إثيوبيا ستاراً، وبذلك لم تستطِع أن تصمد المحاكم أمام هذا كله إلا عدة أشهر من أواخر عام 2005 إلى يونيو من عام 2006.

– وبالانتقال إلى تجربة جبهة الإنقاذ في الجزائر وهي تعد التجربة الأعلى تكلفةً والأكثر دموية التي أفرزت لنا ما يعرف بالعشرية السوداء والتي راح ضحيتها ما بين 150 ألفاً إلى 200 ألف من أبناء الشعب الجزائري، ولهذه التجربة تفاصيل كثيرة، ولكن استطاع الباحث أن يحصر أسباب فشل تجربة الإنقاذ في عدة أسباب واضحة، وهي إغفال دور الجيش داخل المعادلة السياسية واللعب بورقة الديمقراطية منفردة، وذلك نتيجة لغياب الوعي السياسي الذي دفعها للانخراط في العملية الديمقراطية دون النظر إلى الاعتبارات الأخرى، فشل تجربة جبهة الإنقاذ أدى إلى كفر المجتمع الجزائري بالتجربة الإسلامية، وقبوله بالبديل الذي قدمه له العسكر.

– أما عن حركة حماس فهي حركة مقاومة ناضلت برغم الضغوط الداخلية والخارجية الواقعة عليها وقبلت باللعبة الديمقراطية واجتازتها بنجاح، ولكن سرعان ما انهالت عليها الضربات ودبرت لها المكائد، وهنا نستطيع أن نحصر أسباب وقوع حماس في الشرك الذي هي فيه الآن، وهي غياب الاستقلالية فبطبيعة الوضع بعد أن قامت الحركة بالتمترس داخل قطاع غزة بعد الانقلاب عليها وضرب الحصار على القطاع اعتمدت حماس على بعض الداعمين القريبين منها، وأصبحت تتأثر بما يتأثرون به وبالأخص بعد موجة الربيع العربي وما تبعها من أحداث في مصر وسوريا والسودان وليبيا، وصولاً إلى الأزمة الخليجية حيث بدت المعادلة السياسية في المنطقة مختلف عما قبل حتى بدأت خطوط الدعم بالانقطاع الواحد تلو الآخر، يضاف إلى ذلك الضغط المتزايد عليها من سكان القطاع وتردي الأحوال المعيشية وأضف إلى ذلك عدم إدراك حماس لغياب مقومات الدولة أن السلطة في فلسطين ما هي إلا سلطة حكم مجتزأة، كل ذلك أجبر الحركة على الرضوخ والقبول بما تفرضه عليها المعادلة الجديدة.

ولكن في النهاية تبقى حركة حماس بتجربتها هي الأوفر حظاً من سابقتها.

أما عن الإخوان المسلمين وتجربتهم في مصر فهي الأغرب على الإطلاق، وذلك للتقارب الكبير بين مشهد 1954، ومشهد 2013 فالغريم هو هو لم يتغير، وبنفس الأدوات التي تم استخدامها من قبل في عام 1954، وهنا تتجلى الغرابة في هذا المشهد في تعامل الجماعة بنفس المنطق، والأساليب ذاتها التي استخدمتها في تجربة 195، ويكأن هذه الفترة مُحيت من التاريخ، وأنهم يخوضون التجربة للمرة الأولى، ومن ثمَّ لم تفرز لنا التجربة نتائج مغايرة لما أنتجتها تجربة عام 1954، وهنا قد نتكلم عن غياب الوعي السياسي وحالة التقوقع التي حبست الجماعة نفسها داخلها وعدم الانفتاح على المجتمع والتيارات الأخرى، مما يشكل نسيج متماسك من داعميها، بالإضافة إلى عدم امتلاك معايير واضحة لفكرة الدولة، ويعد الأسباب الأكبر لإخفاق الجماعة في تجربتها وتعاملها مع مسألة الدولة بمنطق التنظيم دون مراعاة الفرق الشاسع بينهم، بذلك أخرجت لنا الجماعة تجربتين واحدة هي نسخة من الأخرى لا يستطيع أحد التمييز بينهما.

في الأخير تتجلى لنا الحقيقة وراء فشل كل هذه التجارب التي عُلقت عليها آمال كثير من أبناء الأمة، وبأن المسؤولية تقع بشكل كبير على أصحاب هذه التجارب، وأن الفكرة الإسلامية بمنأى عن تحمل تلك المسؤولية، وأن فشل تجربة أو أخرى لا يطعن بتاتاً في سلامة الفكرة وصلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق والحكم بها، ولكن غاب عن أصحاب هذه التجارب الوعي بطبيعة الصراع، كما غابت عنهم أيضاً الرؤية الثاقبة التي على أساسها توضع الخطط ويتم الإعداد كما علق في أذهان بعضهم المفهوم التقليدي للدولة الإسلامية دون إعادة النظر، وذلك لإحداث مواءمة بينه وبين المعطيات الجديدة التي يفرضها العصر، ولكن يبقى الأمل معقوداً في إنتاج تجربة جديدة تنظر بعمق إلى سابقتها من التجارب، وتتجنب الشراك التي وقعت فيها، ومن ثمَّ تصل إلى ما نرنو إليه من العيش في ظل حكم إسلامي رشيد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد