غدا وباء الكوليرا المتفشي في اليمن الأكبر في التاريخ المعاصر مع اقتراب التوقعات بتسجيله الحالة المليون مع نهاية هذا العام واقتراب أعداد الأطفال المعرضين للإصابة من 600 ألف على الأقل.
وقد رصدت منظمة الصحة العالمية أكثر من 815 ألف حالة مشتبهاً في إصابتها بالوباء في اليمن، كما سجلت 2156 حالة وفاة، لكن حوالي 4 آلاف حالة جديدة مشتبه بإصابتها تسجل يومياً، ويشكل الأطفال دون الـ18 أكثر من نصف أعداد هذه الحالات، فيما يشكل الأطفال دون الـ5 ربع مجموع الحالات المسجلة يومياً، حسب تقرير نُشر في صحيفة الغارديان البريطانية.
انتشار الوباء في اليمن فاق المعدلات المسجلة في هايتي التي كانت الأعلى تسجيلاً في الزمن المعاصر منذ عام 1949، وما فاقم انتشاره هو المجاعة وسوء التغذية؛ ففي حين سجلت في هايتي 815 ألف إصابة كوليرا بين عامي 2010 و2017 فقد فاق اليمن ذاك الرقم في غضون 6 أشهر فقط.
وقد حذرت منظمة Save the Children (أنقذوا الأطفال) من أن المعدلات الحالية إن استمرت على هذا المنوال فسيصل عدد الحالات المصابة إلى المليون قبل نهاية العام، وسيكون 60% من أعداد هؤلاء من الأطفال، وكذلك في يوليو/تموز الماضي توقعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن أعداد المشتبه بإصابتهم بالكوليرا ستصل 600 ألف إصابة مع نهاية السنة.
وقال مدير عمليات وفرق منظمة Save the Children في اليمن، تامر كيرولوس، إن وباء على هذه الدرجة من السرعة ومستوى الانتشار "هو ما ينتج عندما تكون البلد تقطعت أوصالها من الحرب وعندما يكون نظام الرعاية الصحية على شفير الانهيار ويجوع الأطفال وتكون أمام الناس عراقيل تحول دون حصولهم على المساعدات الطبية التي يحتاجونها."
وأضاف كيرولوس في حديثه للغارديان، "لا شك أن هذه أزمة من صنع يد الإنسان. الكوليرا لا تظهر إلا إن انعدمت وتدمرت تماماً منظومة الصرف الصحي، فعلى جميع أطراف الحرب تحمل مسؤولية الوضع الصحي الطارئ والعاجل الذي نحن فيه الآن."
ويتسبب وباء الكوليرا الشديد العدوى في إسهال حاد وينتقل عن طريق المياه أو الأطعمة الملوثة، وقد يؤدي إلى الوفاة إن تعذرت معالجته.
وتعد السيطرة عليه صعبة جداً في اليمن، حيث أدت 26 شهراً من الحرب المدمرة -بين الحوثيين المتمردين والقوات الحكومية المدعومة من قِبل تحالف عربي تقوده السعودية- إلى خروج أكثر من نصف منشآت اليمن الصحية عن الخدمة، إلى جانب نزوح الأهالي وتشريدهم داخلياً.
لكن الأزمة تفاقمت أكثر عندما أعلن العاملون في قطاع الصرف الصحي عن إضراب لدى عدم دفع أجورهم، فتراكمت القمامة في الشوارع ثم وجدت طريقها إلى قنوات المياه في المدينة، وبهذا بلغت تقديرات أعداد اليمنيين المحرومين من الماء الصالح للشرب والصرف الصحي إلى 19.3 مليون يمني، أي حوالي أكثر من ثلثي سكان البلاد.
وكانت الدولة قد انقطعت عن تمويل قطاع الصحة العامة عام 2016، أي أن العديد من الأطباء وطواقم التمريض في البلاد لم تُدفع لهم أجورهم منذ ما يزيد عن عام، ومنذ ذلك الحين تولت المنظمات الدولية أمر توفير الرعاية الصحية في البلاد، في جهود كثيراً ما حالت دونها وعرقلتها ويلات الحرب.
لكن الملاحظ أن وتيرة انتشار المرض قد خفت عن ذي قبل، ففي بدايات هذا الوباء شهر مايو/أيار كانت الحالات الجديدة المسجلة يومياً تتراوح بين 5 إلى 6 آلاف حالة، أما الآن فقد انخفض الرقم إلى 4 آلاف حالة جديدة يومياً، وكذلك انخفض معدل الوفيات من 1% أول ظهور الوباء إلى 0.26% الآن.
وتقول شيرين فاركي، الممثلة الأممية القائمة بمهام اليونيسيف باليمن "إن أي انخفاض نشهده الآن ما هو إلا بفضل الجهود الجبارة والبطولية للعاملين في الميدان."
وتابعت فاركي في حديثها للصحيفة، أن الوضع لن يصل إلى حل ما لم يَسُد السلام البلاد، فقالت "لسنا نرى أي بشائر تدعونا للتفاؤل، فنحن نعلم أن كلا الطرفين في الحرب مستمران في خرقهما السافر لحقوق الأطفال. إننا نتدحرج على شفير هاوية لا قرار لها، ويبدو أن لا أمل يرجى."
وباء الكوليرا ليس مرضاً عصياً لا يُؤمل منه الشفاء، فكل ما يحتاجه بكل بساطة هو تناول أملاح إمهاء فموي مع توفير الماء الصالح للشرب، إلا أن ظروف البلاد جعلت حتى هذا العلاج البسيط أمراً متعسّراً جداً، وفق ما ذكرت مريم الدوغاني، مستشارة الصحة بفرع Save the Children بمدينة الحديدة.
وأضافت الدوغاني "تحاول جميع المنظمات غير الحكومية زيادة الوعي بطرق منع انتشار المرض، لأن الكوليرا داء يمكن منع انتشاره ببساطة إن تم غلي الماء، ولكن إن لم يتوفر المال الكافي لشراء الغاز وكان درب السير طويلاً للحصول على الحطب، فكيف لك إذاً أن تغلي الماء؟"
وقالت الدوغاني التي تمارس الطب منذ عام 2010 أنها شهدت عذاب وآلام المرضى المبرحة بسبب الوباء.
وتتابع في حديثها لغارديان "رأيت شاباً مصاباً بالكوليرا والجفاف الشديد. كان في غيبوبة وفارق الحياة أمام ناظري أمه. حاولنا جهدنا، لكنه كان قد تأخر بالمجيء، وكانت أمه تبكي، فبكيت بدوري. إنه لأمر يصيبني بالغضب. عندما أرى أماً تفقد رضيعها، خاصة عندما يولد الطفل ميتاً بعد انتظار وترقب شهور، فتخسره الأم بسبب الكوليرا، هذا أمرٌ يجعلني أستشيط غضباً."
وختمت الدوغاني بالقول "الحرب مشكلة عويصة بالنسبة لنا. إنها جرح دامٍ؛ ولكن مع الكوليرا يصبح الوضع كمن يرش الملح على الجرح. آمل أن يصبح بالإمكان وقف هذه الحرب، فنحن نحتاج إلى السلام من أجل أطفال اليمن. لم يكن وضعنا قبل الحرب جيداً، لكنه لم يكن على هذه الدرجة من السوء."