قال كبار علماء الأعصاب إن موجةً من الأمراض الغامضة بين الدبلوماسيين الأميركيين بكوبا والتي تسبَّبت في حدوث خلل دبلوماسي بين البلدين، قد تكون ناجمة عن شكل من أشكال "الهستيريا الجماعية" لا هجمات بموجات صوتية، بحسب ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية، الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول 2017.
وكانت الولايات المتحدة قلصت بشكل كبير من وجودها الدبلوماسي في كوبا، بسبب ما قالت إنها "هجمات غامضة" أصابت عدداً من موظفي سفارتها، بفقدان السمع والدوار والغثيان، وفقاً لوكالة رويترز.
وأشار أطباء الأعصاب الذين تحدثوا إلى صحيفة الغارديان، إلى أنَّه لا يوجد تشخيص مناسب يمكن الجزم به دون الوصول لمزيد من المعلومات ومعرفة ما حدث للضحايا الأميركيين الـ22.
ووصفت وزارة الخارجية الأميركية هذه الحوادث بأنها "هجمات"، قائلةً إنها قد بدأت في نهاية العام الماضي مع آخِر حادث مُسجَّل في أغسطس/آب.
التحقيقات الأميركية والكوبية أثبتت عدم وجود أي أسلحة في الهجمات التي تحدثت عنها واشنطن، في حين يقول أطباء الأعصاب إنه ينبغي النظر في إمكانية أن يكون ما حدث هو "اضطراب وظيفي" بسبب مشكلة في أداء الجهاز العصبي، عوضاً عن اعتباره مرضاً.
اضطرابات جماعية
وقال مارك هاليت، رئيس قسم التحكم الحركي البشري بالمعهد الوطني الأميركي للاضطرابات العصبية والسكتات الدماغية: "من وجهة نظر موضوعية، يشبه الأمر الهستيريا الجماعية أكثر من أي شيء آخر".
و"الهستيريا الجماعية"، هو المصطلح الشعبي لاندلاع الاضطرابات بين مجموعات من الناس، والتي تُعد بشكل جزئي أو كلي أمراضاً "سيكوسوماتية"، أي أمراض نفسية ناجمة عن ضغط جسماني. وأكَّدَ هاليت أنَّه ينبغي ألَّا يكون هناك أي لوم عليهم.
وأشار هاليت إلى أن "المرض النفسي هو مرض مثل أي مرض آخر، ولا ينبغي أن يوصم بالعار"، مضيفاً: "من المهم أن نُشير إلى أن أعراضاً كهذه لا تحدث طوعاً؛ إذ إنّها ليست علامة ضعف في شخصية الفرد".
وأفاد هاليت بأنه من الشائع أن تُؤثِّر مثل هذه الاضطرابات على مجموعات أصغر من الناس؛ إذ غالباً ما يحدث ذلك في الأُسر، لكنه أضاف أنه من الممكن أن يتأثَّر عددٌ كبير من الأفراد، خاصةً إذا كانوا يعملون معاً بشكل وثيق في بيئة متوترة وعدائية.
وقال هاليت: "بقدر ما أستطيع أن أرى، هناك عدد هائل من الأفراد لديهم شكاوى غامضة نسبياً". وتابع: "كان هناك استكشافٌ للأسباب المحتملة لهذا ولم يُعثَر على شيء؛ إذ إنَّه من غير المنطقي أن نسلِّم بأن بعض الأشعة الصوتية كانت هي السبب".
وذكرت وكالة أسوشييتد برس، الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول، أنها قد زُوِّدَت بشرائط صوتية لضوضاء اصطناعية شديدة الضجيج، والتي قال بعض عمال السفارة الأميركية إنَّهم قد سمعوها في هافانا.
ولكن، يبقى من غير الواضح -بحسب "الغارديان"- ما إذا كانت الأصوات مرتبطة بالشكاوى الصحية أم لا. وأشار التقرير إلى أنَّه ليس كل الأميركيين المصابين فى كوبا قد سمعوا أصواتاً، وحتى الذين سمعوا، من الواضح أنهم لم يسمعوا الشيء نفسه.
اضطراب وظيفي
وذكرت شبكة CBS نيوز الأميركية أن واحداً من المبعوثين الأميركيين إلى كوبا عانى إصابة طفيفة بالدماغ، بالإضافة إلى تلفٍ محتمل بالجهاز العصبي المركزي. وأبلغ معظم الموظفين الحكوميين الأميركيين عن معاناتهم الصداع والدوار وفقدان السمع، ونُقل 6 أشخاص على الأقل إلى مستشفى جامعة ميامي هذا العام لتشخيص حالاتهم. وأُصيب أحد المرضى باضطرابٍ خطير في الدم.
وقال آلان كارسون، استشاري الطب النفسي العصبي والرئيس السابق للجمعية البريطانية للطب النفسي العصبي: "عادةً ما يُصاب المرء بالهستيريا العصبية جراء الاضطراب الوظيفي، يكون فقط بادئة لما هو أبعد؛ إذ غالباً ما يكون الأمر خفيفاً نسبياً وغير محدد، فيمكن أن يكون إصابة جسدية طفيفة. ولكن بعد ذلك، يأتي مزيج من درجة من القلق والاعتقاد والتوقُّع ليشوّه هذا الشعور".
وأضاف كارسون: "إذا كان هناك توقُّع قوي بما فيه الكفاية بأن شيئاً ما سيحدث، فإن ذلك قد يشوِّه المعلومات الواردة تماماً وبشكل حقيقي، وفي ظروف معينة قد ينتقل هذا من شخص لآخر… إن شَرَعَ أحدهم ممن مرّوا بتلك التجربة بقوة كافية، في زراعة تلك الأفكار بعقل شخص آخر، فإن هذا سينتقل له أيضاً".
وقال العديد من خبراء الصوتيات إنه من المستبعد للغاية أن تكون مجموعة الأعراض المُشار إليها ناجمة عن أي نوع من أنواع الأسلحة الصوتية.
وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن هنالك نظرية أُخرى تفيد بأنَّ الشكاوى الصحية نجمت عن عملية رصد خاطئة، ولكنها من ناحية أخرى قوبلت بشكوك من الخبراء؛ نظراً إلى ندرة الأدلة.
ولم تُلقِ الولايات المتحدة باللومِ مباشرةً على الحكومةِ الكوبية، بيد أنها قالت إنَّ هافانا فشلت في التزامِها بحمايةِ الدبلوماسيين الأجانب بأراضيها. ومن جانبها نَفَت الحكومةُ الكوبية القيام بأي شكلٍ من أشكال الهجوم وعرضت تعاونها في اكتشافِ سببِ الأعراض.
اضطرابات شائعة
وقال جون ستون، طبيب الأعصاب بجامعة إدنبره الأسكتلندية والمُحرِّر المُشارِك لكتابٍ عن الاضطرابات العصبية الوظيفية، إنَّ مثل هذه الاضطرابات شائعة جداً، فهي السبب الثاني الأكثر شيوعاً للذهاب لطبيب الأعصاب.
وأضاف: "هناك اعتقاد خاطئ بأن من يصابون بتلك الأمراض هم أُناس ضعاف الإرادة ولديهم مشاكل عصبية، وهذا الاعتقاد ليس صحيحاً. نحن نتحدث عن أعراض حقيقية، فالناس يشعرون بالدوخة والصداع ومشاكل في السمع، وهم لا يمكنهم ابتداع هذا".
وأضاف أنَّه من المحتمل أن يكون المرض قد تفشَّى بسبب إصابة شخص أو شخصين وشعورهم بصداع أو مشاكل في السمع، لينتشر بعدها المرض في جو شديد التوتر، ومن ثمَّ في وسط الحديث عن "هجوم صوتي".
ويقول روبرت بارثولوميو، عالِم الاجتماع الطبي ومؤلِّف سلسلة من الكتب عن تفشِّي الهستيريا الجماعية: "لا يمكننا اعتبار أي من هذا منطقياً إلى أن نلقي نظرة على جانب النفسي للأمر".
وأضاف: "وكالات المخابرات الأميركية هي الأكثر تطوراً في العالم، ويقال إنه ليس لديهم فكرة عن سبب الأعراض. وأراهن أنَّه قد ظهر عملاء من الاستخبارت استنتجوا أيضاً أنَّ الأمر نفسي بحت. ولكن تحليلهم قد يكون قُمع أو قوبل بالتجاهل من قِبَل إدارة ترامب؛ إذ إنَّ هذا لا يتناسب مع سرديتهم، فالمرض النفسي هو إلى حد بعيدٍ أكثر التفسيرات معقوليةً".