"لا تشغلوا بالكم بأي تكلفة خالص".. هكذا وجَّه الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمته للقائمين على بناء العاصمة الإدارية الجديدة.
كلمات عكستها على أرض الواقع المشاهد التي صاحبت زيارته صباح الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول 2017، ومشاهد البذخ والفخامة الشديدة التي ظهرت في مباني فندق الماسة وغيرها من مشاهد بداخلها.
موكب الرئاسة الفخم الذي توجه صباح الأربعاء لافتتاح المشروعات الجديدة، بحضور المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، وعدد من قيادات الحكومة المصرية- يطرح تساؤلاً عن أهداف وأسباب حرص السيسي على إنشاء هذا المشروع بتلك التكلفة، رغم تصريحاته التي قال فيها من قبلُ إن مصر والمصريين "فقراء جداً".
هنا كل منشآت الدولة وسفارات العالم
تقع العاصمة الإدارية شرق مدينة القاهرة، ضمن إقليم القاهرة الكبرى، على الطريق الدائري الثاني في منتصف الطريق، والمنطقة على بُعد 45 كيلومترا تقريباً من منطقة وسط القاهرة و80 كيلومتراً من السويس، وتبلغ مساحتها نحو 170 ألف فدان، بما يعادل 705 كيلومترات مربعة، وهي تعادل مساحة دولة مثل دولة سنغافورة، و4 أضعاف عاصمة الولايات المتحدة الأميركية واشنطن.
ووفقاً للمخطط المعلن، فإنه من المقرر نقل وزارات الدولة كافة إلى مقر العاصمة الإدارية، بحيث يتم نقل 16 وزارة في المرحلة الأولى، وباقي الوزارات بالمرحلة الثانية، وتتضمن المباني داخل حي الوزارات مبنىً ضخماً ليكون مقراً لانعقاد مجلس النواب، بجانب وجود قصر ملكي لرئيس الجمهورية وتخصيص مساحة كبيرة لجميع السفارات الأجنبية بمصر.
ووفقاً لما قاله شريف إسماعيل رئيس الوزراء المصري، فإنه من المخطط نقل الوزارات والمؤسسات الحكومية كافة إلى مقر العاصمة الإدارية قبل نهاية عام 2018.
النجمة الثُمانية: وزارة الدفاع الجديدة
وتعد العاصمة الجديدة قلعة عسكرية محصَّنة، ويوجد على أطرافها كيان عسكري ضخم جداً ممتد إلى كيلومترات، ويضم مبنى وزارة الدفاع على هيئة نجمة ثُمانية الأضلاع، ومباني الأفرع الرئيسية وكلية حربية ومراكز تدريب ومنشآت عسكرية أخرى.
هذا بجانب أن الدولة قامت بنقل وزارة الداخلية إلى مقرها الجديد بالتجمع الخامس القريبة من مقر العاصمة، وزاد من تأمين المكان وجوده في قلب الصحراء الشرقية.
بحثاً عن المجد الشخصي وتحصيناً من الثورات
"دائماً ما يبحث الحكام الشموليون عن المجد الشخصي ولو كان ذلك على حساب الوطن، وهذا ما يفعله السيسي الآن من بناء قناة سويس جديدة وعاصمة جديدة تكون قلعة يتحَّصن بها".. هكذا علَّق الدكتور جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان والناشط السياسي المصري.
وقال إسحاق لـ"هاف بوست عربى"، إن تكاليف قاعة الاحتفالات بفندق الماسة وقُبح المنظر، من فخامة مبالغ فيها لا تتناسب مع أحوال المجتمع المصري، تشير إلى هذا التفكير العتيق الذي كان في دولة الفراعنة وإنشاء قصور ومبانٍ فخمة؛ بحثاً عن تعظيم للذات، فيما كان الأَولى بناء المجتمع المصري ودولة إنتاج.
وأضاف: "ولا يمكن إغفال تجربة ثورة يناير/كانون الثاني في التأثير على هذا القرار، حيث تألم النظام من وجود المنشآت الحيوية وسط التجمعات الشعبية الغاضبة، ومن هنا كان اتخاذ قرار بنقل وزارة الداخلية ومكتب النائب العام إلى القاهرة الجديدة، يعقبه نقل مجلس النواب ومنشآت الدولة كافة إلى العاصمة الجديدة وعلى بُعد كيلومترات قليلة من القاهرة الجديدة شمال القاهرة".
وختم عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان حديثه، قائلاً: "من الآن، أصبح غير مقبول أن يردِّد السيسي مقولة إننا شعب فقير قوي، فما يفعله من بذخ بؤكد أننا دولة غنية جداً في المنطقة، ولكن لا تُصرف أموالها لصالح شعبها".
"خائف من الحسد" حتى على دراسات جدوى المشروع!
الدكتور إيهاب الخراط عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي، تحدّث عن تخوفه من عدم وجود جدوى اقتصادية من هذا المشروع الضخم، وتزايد قلقه بعد الكشف عن المصاريف الباهظة التي أوضحتها الصور المصاحبة لزيارة السيسي اليوم للمدينة، وعروض الفيديو التي تم عرضها في أثناء زيارة السيسي لمقر العاصمة.
وقال الخراط لـ"عربي بوست": "إنني كنت متطلع إلى معرفة تفاصيل عن دراسات الجدوى، وهل سيكون العائد الاقتصادي له قريباً، أم سيكون مثل قناة السويس الجديدة التي أهدرت المليارات دون عائد سريع؟"، مضيفاً: "السيسي يتعامل مع دراسات الجدوى للمشروع وكأنها أسرار حربية، أو أنه يخشى أن تُحسد من العين".
وتابع: "مشاهد البذخ الشديد في الصرف على تلك المنشآت، كان الأَولى بها أن تكون على المصانع المغلقة التي توقفت عن العمل لقلة السيولة مثل مصانع الغزل والنسيج، وما يزيد مخاوفنا الغموض الذي تفرضه الدولة على تلك المشاريع الجديدة".
تأمين المنشآت الحيوية أسهل في مكان واحد
"بالتأكيد، وجود معظم المنشآت الحيوية، من سفارات وهيئات حكومية وقصر الرئاسة ومجلس النواب، في مكان واحد يسهّل عملية تأمينها أمنياً". هكذا تحدث اللواء حمدي بخيت، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري، عن البُعد الأمني في إنشاء العاصمة.
وأشار بخيت لـ"عربي بوست"، إلى أن "الكثير من دول العالم، مثل الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، تتجمع المنشآت الحيوية بها في مكان واحد، والفرق أننا أطلقنا عليها العاصمة الإدارية فقط".
وأوضح أن التهديدات الأمنية لم تعد طبيعية في العالم بتلك المرحلة، ومصر ليست لها عداوات خارجية، ولكن عدوها الأول هو الإرهاب، وتأمين تلك العناصر التي قد تكون مستهدفة أسهل كثيراً داخل العاصمة الإدارية من وجودها بالكتل السكانية في القاهرة.
اختيار الموقع مرتبط بمشروع قناة السويس
"اختيار موقع العاصمة الإدارية الحالي له بُعد أمني واقتصادي ولوجيستي، يرتبط بالثقل الاقتصادي المصري في المستقبل، وهو مشروع محور قناة السويس"، في رأي اللواء نصر محروس أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية.
ويقول محروس لـ"عربي بوست"، إن نقل المصالح الحكومية ومجلس النواب والسفارات ومرافق الدولة الأساسية كافة يخفف الضغوط على القاهرة، وذلك يسهم في تخفيف الضغوط على شوارعها، مما له أثر كبير على حركة المرور وسهولة المعيشة بها.
وجدل بشأن تكلفة فندق الماسة رقم 2
أكثر المشاهد المصوَّرة التي أثارت جدل الرأي العام، في زيارة الرئيس السيسي، صباح الأربعاء، لمقر العاصمة الجديدة، حجم البذخ الكبير الذي كان واضحاً على مقر فندق الماسة.
ونشرت صفحة "الموقف المصري" على فيسبوك تقريراً عن تكاليف الفندق، تحدث عن عدم وجود معلومات معلنة عن تلك التكلفة، ولكنها أشارت إلى أن الفندق تكلف ما يزيد على المليار جنيه.
فيما اعتبر حسن المستكاوي، الناقد الرياضي المؤيد للنظام، بناء العاصمة الجديدة خطوةً على طريق "إصلاح اقتصادي تأخر في مصر أكثر من 40 عاماً".
وانتقد البعض إهمال العاصمة القديمة.
#العاصمه_الاداريه
بيبنوا مصر جديده طيب والقديمه بتاعتنا ميهمش !!
لنمنع الاختلاط بين القمه والقاع المزدحم
لا حول ولا قوة الا بالله ✋— Hamdy (@hamdinasser11) October 11, 2017
وانتقد آخرون عدم وجود معلومات عن التكاليف والعائد الاقتصادي للعاصمة.
هي فين حرية تداول المعلومات علشان انتقدك بالارقام وابقى فاهم بتعمل اية صحيح كل متطلباتنا اولويات لكن التعليم والبحث العلمي اهم متطلب للتقدم العاصمة مش نمرة واحد ولا عشرة والسور اللي حواليها ملوش أي لازمة الا لناس خايفة من شعبها لكن يعمل اية التعليم في رئيس واهم
— محمد صابر (@hamoda4321) October 11, 2017