فراغ خزينة الدولة وانهيار أسعار النفط.. موجات احتجاجية عنيفة تلوح في أفق الجزائر

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/09 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/09 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش

اعتمد استقرار الجزائر حتى الآن على ركيزتين أساسيتين: عائدات النفط، وتخوف الأجيال الأكبر سناً من إعادة إحياء مجازر "العشرية السوداء"، ومع ضعف الركيزتين الآن، فإنَّ الجزائر على أعتاب فترة قادمة من عدم الاستقرار.

فالبلاد تواجه تحدياتٍ أمنيةٍ كبرى، من بينها وجود مجموعاتٍ إرهابية، وحدود يسهُل اختراقها، علاوةً على خطر انتقال العدوى من ليبيا ومالي المُجاورتَين، مما يفسح المجال لتوقُّعات اقتصادية قاتمة وأعوام يستمر فيها تدهور أسعار النفط؛ مما قد يؤدي إلى اضطراباتٍ شعبيةٍ.

سبب الرخاء.. سبب البلاء

إلى أين يتجه الوضع في الجزائر؟ حسب التقرير الخاص الذي نشره موقع Global risk insights، فإن الجزائر استثمرت بصورةٍ كبيرة بصناعة النفط والغاز؛ في محاولةٍ لزيادة صادراتها إلى أوروبا، والتي تمثل 97٪ من عائدات التصدير و60٪ من ميزانية الدولة.

حينما بدأ سعر النفط في الانخفاض بالأسواق العالمية، أدى الأمر إلى عواقب وخيمة، حيث فقدت البلاد 30% من ميزانيتها الإجمالية، واضطرت في عام 2015 إلى تنفيذ تدابير تقشفية للمرة الأولى. ولتخفيف الوطأة، قررت الحكومة استخدام الصندوق السيادي الوطني لتحقيق التوازن في الميزانية، ولكن بعد عامين آخرين من انخفاض أسعار النفط، جفت موارد الصندوق.

ومما زاد الأمور سوءاً، أنَّ احتياطيات الجزائر من النفط والغاز قد استُنفِدَت تقريباً؛ إذ ينخفض الإنتاج كل عام، رغم محاولات الحكومة ربح الوقت من خلال البحث عن احتياطياتٍ جديدة من النفط والغاز، حيث صرحت شركة الطاقة المملوكة للدولة "سوناطراك" بأنَّها اكتشفت 32 منطقة استكشاف جديدة محتملة في 2016.

إلا أن معظم الحقول الجديدة هي من الغاز الصخري، وتقع في الجنوب، ويتطلب استخراج الغاز الصخري كمياتٍ هائلة من المياه؛ من أجل أداء عملية التكسير الهيدروليكي، في بلدٍ يقل كثيراً عن عتبة مستوى الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة، بالإضافة إلى كونها واحدةً من أكثر المناطق جفافاً بالعالم، ومن غير المحتمل أن يستمر هذا الحل مدة طويلة، لا سيما في ظل الاحتجاجات واسعة النطاق.

وفي أفضل السيناريوهات الممكنة التي يطرحها التقرير، ستتمكن الجزائر من إنتاج الغاز بالمعدلات الحالية حتى عام 2030، مما يعطيها أقل من عقدٍ من الزمان للعثور على مصادر بديلة لتمويل 60٪ من إيرادات الميزانية.

أزمة النفط تتحول إلى أزمة اقتصادية

الجزائر بحاجة ماسة إلى تنويع موارد اقتصادها، ولكنَّها تواجه عدداً من العقبات في سبيل هذا الأمر، فقد أدى تقليص صندوق الاستثمارات السيادية إلى الحد من قدرة البلد على الاستثمار محلياً. والمشاريع الخاصة الجزائرية، المُهمَّشة بسبب تركيز الدولة على قطاع النفط، تعاني ضعف القدرة التنافسية. ورغم أن الحكومة اعتبرت صناعة السياحة المتأخرة ضمن أهم 5 أولويات لديها، فإنَّها لا تزال راكدة في ظل عدم كفاية عمليات الترويج واستراتيجية طويلة الأجل.

البيروقراطية الزائدة على الحد وعدم وجود تشريعات داعمة تمثلان أيضاً عقبة رئيسية أمام الاستثمار الأجنبي، حتى بالنسبة للشركات الكبيرة متعددة الجنسيات، وفي كثيرٍ من الأحيان يتدفق الاستثمار إلى دولة المغرب المجاورة بدلاً من الجزائر، حيث استثمرت مجموعة السيارات الفرنسية "رينو" في مصنعٍ صغير بالجزائر، لكنَّها أسست أكبر مصنع أجنبي لها في المغرب.

وبالمثل، على الرغم من أنَّ شركات البناء الصينية قد استحوذت على عددٍ قليل من عقود المشروعات العامة الجزائرية، مثل بناء المسجد الكبير في الجزائر، فإنَّ المغرب يُعدُّ شريكاً أكثر أهمية للشركات الصينية، باستثمارٍ يبلغ 10 مليارات دولار في مشروع "مدينة محمد السادس طنجة تيك" وحده.

الفساد يعمق المشاكل

الجزائر تتخلف حتى عن جيرانها الفقراء في الموارد كما يسجل التقرير، ويرجع السبب إلى أن النخبة الحاكمة الجزائرية قد أساءت استخدام ثروات البلاد؛ إذ كشفت فضيحة وثائق بنما عن حجم الفساد الكبير بين الحكومة وشركة سوناطراك. كما أنَّ مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أوضح للجزائريين بصورةٍ لا لبس فيها أنَّ السلطة الحقيقية ليست بين يديه؛ بل مُقسَّمة بين الجيش وحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، والأجهزة الأمنية السرية التابعة لدائرة الاستعلام والأمن، جهاز المخابرات الجزائري.

هذا هو الحال منذ استقلال البلاد عام 1962. في البداية، استمدت الحكومة شرعيتها من دورها في حرب الاستقلال. وفي تسعينيات القرن الماضي، عززت الحكومة سلطتها باستخدام الحرب ضد الإرهاب. ومع نمو أسعار النفط في العقد الأول من القرن الحالي، استخدمت القوى الحاكمة الإيرادات النفطية لتهدئة مطالب السكان بالتقدم، وتوفير فرص العمل، والحريات الاجتماعية. وفي الربيع العربي، سعت الجزائر إلى تجنب الاضطرابات عن طريق وسائل لإعادة توزيع الثروة من قِبل الحكومة. وقبل 6 أشهر، عندما ظهرت حركة احتجاجية في منطقة القبائل ضد ميزانية عام 2017، أعلن وزير الداخلية عن خطةٍ بقيمة 10 مليارات دولار للحفاظ على القوة الشرائية لدى المواطنين الجزائريين.

ولكن مع تنامي مشكلة فراغ خزائن الدولة أكثر من أي وقتٍ مضى، فإنَّ النخب الحاكمة لم يعد لديها خياراتٌ لاحتواء الاضطرابات الاجتماعية، وفي المقابل تتضخم أسبابٌ كثيرة للشعور بعدم الرضا عند الجزائريين.

تشابه الظروف

أزمة النفط في الثمانينيات والتضخم الذي أعقبها، كانت من العوامل الرئيسية المساهمة في الحرب الأهلية بين الحكومة والجماعات الإسلامية، والتي تسببت في وفاة أكثر من 200 ألف شخص. والآن جميع المكونات التي أدت إلى الحرب الأهلية في أوائل التسعينيات موجودة بالجزائر اليوم: أزمةٌ اقتصادية كبرى، وفساد حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، والقادة الإسلاميون الذين لا يزالون يعظون الناس بشأن الفساد، والتوترات القبلية المتعلقة بالهوية.

قضايا الهوية تولد عنفاً غير مسبوق، وخاصةً في منطقة القبائل، حيث يتعارض إحياء إرث الأمازيغ (البربر) مع الهوية العربية والإسلامية التي اعتمدتها الدولة الجزائرية كمرجع لها منذ الاستقلال. وفي الوقت نفسه، فإنَّ علي بلحاج، الزعيم السابق للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهي جماعة مسلحة إسلامية، يزداد ظهوره علناً، على ما يبدو بإذنٍ من السلطات، وقبل شهر، عندما زار بلحاج مسجداً في منطقةٍ شعبية بالعاصمة الجزائرية، استقبله مئات من الناس كبطل.

أضِف إلى ذلك، المشكلة الديموغرافية في الجزائر: فمعظم السكان من الشباب، ويبلغ متوسط ​​عمر الجزائريين 27.7 سنة. وليس فقط الشباب هم الأكثر عرضة للخروج إلى الشوارع، لكن الأهم من ذلك أنَّ جزءاً كبيراً من السكان لم يعيشوا "العشرية السوداء" التي أعقبت الحرب الأهلية السابقة ولا يتذكرون عنها شيئاً.

العامل الأخير المساهم بشكل كبير في زعزعة الاستقرار هو مرض الرئيس، الذي أدى إلى صراعٍ على السلطة داخل النخبة، وصدامٍ بين الأجنحة المختلفة.

صراع الأجنحة

من الضروري الفهم أنَّ طبيعة النظام الجزائري هي في المنزلة ما بين الديكتاتورية العسكرية والدولة البوليسية ذات الواجهة الديمقراطية، أي إنه نظام تتحول فيه التحالفات وتتغير تبعاً للمصالح المطروحة، مما يفسح المجال للاقتتال الداخلي بين الأجهزة المختلفة، بما في ذلك الدائرة الداخلية للرئاسة، والنخبة الحاكمة، والأجهزة السرية التابعة لدائرة الاستعلام والأمن، ورؤساء أركان الجيش.

فهناك تحالفات بين القيادات العسكرية ودائرة الاستعلام والأمن من ناحية؛ وحزب جبهة التحرير الوطني وعالم المال وُأسر النخبة القوية من ناحيةٍ أخرى. وتتقاتل هذه المجموعات على الاستفادة من كعكة المليارات من الدولارات من عائدات النفط، من خلال الحصول على عمولاتٍ بصورةٍ مستترة من عقود الاستيراد والتصدير الكبرى. ويُكشَف عن هذه الأمور بين الحين والآخر، وكان آخرها في إيطاليا، حيث تجري محاكمةٌ بتهمة الاختلاس تشمل بعض المديرين التنفيذيين في شركة سوناطراك.

باختصار، هذه النخب مشغولة ببقائها في السلطة، مما يضعف من قدرتها على معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في هذا المنعطف الحرج.

عنق الزجاجة

في خطابٍ ألقاه في سبتمبر/أيلول الماضي، ذكر رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، أنَّه لا يوجد أمام البلاد من نوفمبر/تشرين الثاني خيارٌ سوى اللجوء إلى التمويل غير التقليدي كي تتمكن الحكومة من دفع رواتب موظفيها. لكنَّه أكد أيضاً أنه لن يتم خفض أي بنود متعلقة بالرفاهية الاجتماعية، وأنَّ المعاشات التقاعدية ستزداد، في حين ستبقى الضرائب دون مساس، ما يعني أنَّ الجزائر ستحافظ على وتيرة الإنفاق نفسها، دون زيادة في الدخل ولكن على حساب زيادة القروض.

مثل هذه السياسات قد تؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم في العامين القادمين، وتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، مما سيكون له انعكاساتٌ سلبية على معيشة المواطنين وقد يدفع الجزائريين للخروج إلى الشارع.

تحميل المزيد